توجيه المتشابه في القرآن الكريم

أبو الحسن الجمّال

دراسة في ملاك التأويل لابن الزبير الأندلسي .. للدكتور ياسر الصعيدى

clip_image001_b2341.jpg

صدر حديثا عن دار النابغة كتاب "توجيه المتشابه في القرآن الكريم .. دراسة في ملاك التأويل لابن الزبير الأندلسي" للأستاذ الدكتور ياسر عطيه الصعيدى، أستاذ الدراسات الإسلامية فى كلية الآداب جامعة المنوفية، وهذه الدراسة تعنى بمؤلَّف مهم من مؤلفات متشابه القرآن اللفظي، هو كتاب: "ملاك التأويل"  للإمام أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي (ت: 708هـ)..المولود فى مدينة جيان سنة سنة 627هـ ونشأ فى أسرة ميسورة وظل بها حتى سقطت بأيدى النصارى سنة 643هـ قبل ثلاثة أعوام من سقوط إشبيلية 646هـ وبعد عشرة أعوام من سقوط دار العلم والملك مدينة قرطبة 633هـ ، وذهب هو وأسرته إلى غرناطة مأوى الناس والعلماء التى تأخر سقوطها قرنا ونصف إذ سقطت عام 897هـ وتلقى العلوم على أيدى أساطين العلماء منهم الشيخ على بن محمد بن علي بن يوسف الكتامي المعروف بابن الضائع (ت:680هـ)، والشيخ محمد بن يحيى العبدري المعروف بالصدفي(ت: 651هـ)، و الشيخ علي بن محمد بن عبد الرحمن (ت: 680هـ)، وفي مجال التاريخ والرواية: تتلمذ على يد أستاذين مشهورين في مجال الرواية والنقل:

هما: الشيخ أبو العباس أحمد بن يوسف المعروف بابن فرتون السلمي(ت:660هـ)، والشيخ عبد الرحمن بن عبد الله المعروف بابن حوط الله الأنصاري(ت: 667هـ)، وكان مالكى المذهب ذكره ابن فرحون فى الديباج المذهب فى عيان المذهب ، وكان سنى العقيدة ينافح عن صحيح الدين وأشارت المصادر إلى تصديه لمحاربة البدع والأهواء، وملازمته للسنة، ومعاناته في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتأليفه في ذلك كتابه:"ردع الجاهل"، ونظمه أرجوزة في الرد على الشوذية، وقد اتفقت أكثر المصادر على أن ابن الزبير توفي يوم الثلاثاء الثامن من ربيع الأول سنة 708هـ بغرناطة، ودفن بها، عن إحدى وثمانين عاما، وذكر ابن حجر أن وفاته كانت في رمضان سنة سبع أو ثمان وسبعمائة.

  نال ابن الزبير شهرة واسعة في مجال علوم اللغة والدين والتاريخ، فقصده الطلاب للأخذ عنه من كل البقاع، وكان له في بعض هذه العلوم مؤلفات متنوعة بتنوع معارفه؛ ولم يصلنا من تلك المؤلفات إلا القليل، وقد حفظت لنا كتب الطبقات وقوائم المكتبات أسماء مجموعة من مؤلفاته، منها:

1- الإعلام بمن ختم به القطر الأندلس من الأعلام.

2- إيضاح السبيل من حديث سؤال جبريل.

3- برنامج رواياتـه.

4- البرهان في ترتيب سور القرآن :

5- تعليق على كتاب سيبويه.

6- ردع الجاهل عن اعتساف المجاهل في الرد على الشوذية وإبداء غوائلها الخفية.

7- الزمان والمكان، أو:"كتاب تعيين الأوان والمكان للنصر الموعود به في آخر الزمان مستقرا من صحيح السنة ومحكم القرآن".

8- سبيـل الرشـاد إلى فضل الجـهاد.

9- شرح الإشـارة للبـاجي.

10- صـلة الصـلة ، أو"تاريخ أعـلام الأندلـس".

11- فهرسـته، أو"معـجم شـيوخه".

12- نـزهة البصـائر والأبصار.

وأخيرا – "ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل":

ذكرته معظم المصادر بهذا الاسم، ويعتقد أنه من آخر ما ألّف ابن الزبير.

 وتوجد منه عدة نسخ خطية بالقاهرة والمدينة وتونس والرباط والأسكوريال، وحقق مرتين:

 الأولى: في مصر تحقيق الدكتور محمود كامل أحمد سنة 1979م، في رسالة نال بها درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس، تحت عنوان: "المتشابه في القرآن مع تحقيق كتاب ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل لابن الزبير الثقفي الأندلسي الغرناطي"،ويوجد منها نسخة بالمكتبة المركزية بجامعة عين شمس، وقد طبع التحقيق، وحصلت على نسخة من الرسالة ونسخة من التحقيق.

الثانية : تحقيق الدكتور سعيد الفلاح بتونس، وهو رسالة حصل بها على درجة الدكتوراه من كلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين بتونس، وقد طبع هذا التحقيق بدار الغرب الإسلامي بيروت سنة 1983م، وحصلت على نسخة من التحقيق اعتمدت عليها في دراستي لمنهج ابن الزبير نظرا لأنها متأخرة عن تحقيق محمود كامل، وإن كان الفرق بين التحقيقين ضئيلا جدا، ولكن امتاز التحقيق الثاني بالفهارس التوضيحية التي سهلت علي الكثير.

                                                                             ************

والكتاب فى الأساس رسالته للدكتوراه التى حصل عليها من كلية الآداب جامعة المنيا بالاشتراك مع كلية فقه اللغة  جامعة كمبلوتينسي بمدريد أسبانيا، تحت إشراف الأستاذ الدكتور: مصــطفى الصـاوي الجـويـني، أستاذ البلاغة العربية والدراسات الإسلامية المتفرغ بآداب الإسكندرية. لأستاذ الدكتور: أحــمـد محمـد جوده الســعدني أستـاذ الأدب والنقـد المتفرغ بـكلية الآداب جامعة المنيــا، والأستاذة الدكتورة : ماريـا خـيسـوس بيـجيـرا أستاذ الدراسات العربية بكلية فقه اللغة جامعة كمبلوتنسي بمدريدوحصل عليها المؤلف بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى سنة 1998.

 وموضوع هذا الكتاب يعد فريدا من نوعه بالنسبة للدراسات الأندلسية المتعلقة بعلوم القرآن، فلم يعلم مما وصلنا من المؤلفات في نفس الموضوع من ألف فيه في الأندلس غير ابن الزبير، ولهذا كان جديرا بهذا الكتاب بعد خروجه للنور وتحقيقه أكثر من مرة أن يحظى بدراسة تكشف النقاب عن منهج مؤلفه فيه، وفكر علماء الأندلس في تلك الفترة.

  كما ترجع أهمية هذه الدراسة إلى تناولها حياة مفسر من أهل السنة عاش في نهاية القرن السابع الهجري بالأندلس، ولذلك فهي تستكمل سلسلة الدراسات حول أعلام المفسرين من أهل السنة، وبخاصة في الأندلس، في فترة تبعت القرطبي وسبقت أبا حيان الأندلسي وابن جزي الكلبي، وهي فترة يظن كثير من الباحثين أنها فترة ركود فكري في الأندلس، نظرا لقلة المؤلفات التي وصلتنا منها.        

 وقد حصر ابن الزبير موضوع كتابه في توجيه المتشابه اللفظيّ، فنصَّ على ذلك في عنوانه؛ حيث سمَّاه:"ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل"، وأشار إلي ذلك في مقدمة الكتاب؛ فقد رأى ابن الزبير أن توجيه ما تكرر من آيات القرآن وألفاظه، أو اختلف بالتقديم أو بالتأخير، أو بالزيادة في التعبير، وهو ما يسمى بتوجيه المتشابه اللفظي، رأى في توجيهه كشف النقاب عن منظوم القرآن الجليل، وإعجازه الباهر،  وعدَّ ذلك العمل خدمة جليلة لعلوم القرآن، لا تقل أهميَّة عن معرفة أسباب نزوله، أو معرفة ناسخه ومنسوخه، أو مكيِّه ومدنيِّه، أو غيرها من علوم القرآن المختلفة.

       ولم يخرج عما رسمه لنفسه وحدده، بل في أحيان كثيرة ـ في ثنايا الكتاب وأثناء توجيهه للمتشابه ـ يشير  إلى الضرب الذي بنى عليه كتابه، وإذا خرج عن هذا الضرب نبه إلى ذلك في موضعه، وهذا مما يحسب له.

 وحين يُتحدث عن أسلوب مؤلف أو كاتب في فن من الفنون العلمية أو الأدبية ، إنما يعنى  بذلك بيان طريقته في إيصال هذا العلم أو الفن إلى الآخرين سواء كانوا طلبة علم، أو مثقفين، أو  معنيين بهذا الفن.

وهذه الطريقة تختلف من فن إلى فن؛ ومن مؤلف إلى آخر، تبعا لاختلاف المادة العلمية واختلاف الموضوعات، فالأسلوب في المواد والموضوعات الأدبية يختلف عنه في مواد العلوم الطبيعية والاجتماعية. وتمكن المؤلف مـن مادته العلمية استيعابا وإحاطة بكلياتها وجزئياتها يؤثر على طريقة عرضه لهذه المادة.

 كذلك اختلاف مدارك الفهم لدى المخاطبين تؤثر بالسلب أو الإيجاب على عملية عرض المادة العلمية ارتقاء أو تبسيطا، أو ما إلى ذلك؛ فمعيار نجاح الأسلوب يقاس بمدى التفاعل والأثر الذي يحدثـه المؤلف في نفسية القارئ، وعليه فإن فهم العمق النفسي للمخاطب أحد دعائم الأسلوب عند التأليف.

 من هنا يمكن القول: إن الطريقة أو الأسلوب هو الوسيلة التي يتم بها إيصال المعلومات من المصنف إلى المتلقي سواء بالسماع أو القراءة. وهي تختلف عن المنهج؛ لأن المنهج هو الخطة العامة التي تقوم على المادة العلمية، والطريقة هي الأسلوب الذي ينقل به المؤلف ذلك المنهج.

  وقد اتبع ابن الزبير أسلوبا علميا أكاديميا وطريقة واضحة سار عليها طيلة كتابه، ونبَّه القارئ إليها في مقدمته، وجدير بالذكر أن منهجية البحث في العصر الحديث تطلب من الباحث أن يقدم في مقدمة بحثه عرضا ملخصا للطريقة التي سيخوض بها غمار بحثه، وقد سبق  الأولون إليها، ومنهم ابن الزبير.

وسوم: العدد 667