بأقلامكم
يسري الغول
أوشك برنامج (بأقلامكم) أن ينتهي، بعد أن أمضيت خلاله ردحاً من الزمن بصحبة الشبان المبدعين، أستمع لقصائدهم ونصوصهم وخواطرهم، أسبح معهم في أحلامهم وطموحاتهم وأحزانهم حتى أرتوي بماء قلوبهم. ولقد اكتشفت بعد أكثر من عام، بأن الجميع قادر على التأثير والتطوير في مجتمع بحاجة لمن يمد له يد العون. فليست المؤسسات الرسمية وحدها من تتحمل المسؤولية في تطوير القدرات الإبداعية عند هؤلاء، بل إن الجميع ملزم بذلك وتحديداً المثقفين والمبدعين الواعدين، الإعلاميين والصحفيين، لأننا لو بقينا في انتظار الدور الرسمي لن نحقق شيئاً حقيقياً وملموساً تجاه هؤلاء، فأعمالهم المغمورة يجب أن تصل إلى النور. ولو تساءلنا عن عدد طلاب المدارس الذين يكتبون الشعر والقصة لوجدناهم بالآلاف، ولكن أين دور الإعلام في إبراز هؤلاء، وأين الدور المناط بالمثقفين ومؤسساتهم الغير رسمية من دعم هؤلاء اليافعين؟ والإجابة ستكون مؤسفة بأن من ينجحون بالظهور -من خلال عوامل اعتباطية ربما- هم قلة، حيث أن الجميع يبقى يدور في حلقة مفرغة حتى يسقط على رأسه.
ويستحضرني هنا مثال عايشته قبل شهور، حيث حضر مكتبي ذات صباح أكاديمياً يعمل بجامعة الأقصى، وأخبرني عن ملكة ابنته في الكتابة، فطلبت منه أن تستمع لبرنامج بأقلامكم وبرامج أخرى تهتم بالأدب كالتي يقدمها راديو الرسالة، كما رجوته بأن يوفر لابنته الكتب والصحف الفلسطينية وتحديداً الملاحق الأدبية التي تعنى بإرفاد القارئ بشيء من المعرفة وصولاً إلى شواطئ التنوع والتميز. ثم أهديته مجموعة من المجلات والكتب التي كانت بحوزتي. وبعد فترة ليست بالقصيرة أصبح لدى هذه الفتاة المقدرة على التميز والطلاق نحو نشر أعمالها وقراءتها عبر الاذاعات وغيرها، وهو ما يمكن أن يحدث لأي شخص طالما أن هناك رعاية واهتمام من طرف الجميع، بدءاً بالأهل ووصولاً إلى الدولة بكافة أجهزتها.
وبالرجوع إلى الوراء قليلاً، سنكتشف بأن هناك كثيرين من المبدعين الذين تميزوا وبرزوا لم يكونوا سوى أشخاص عاديين جداً، لكن المسابقات التي قامت بها المؤسسات، سواءً الرسمية أو غيرها، هي من أبرزتهم، كتميم البرغوثي وسعود السنعوسي وجنى حسن، ومؤخراً العراقي أحمد سعداوي والذي حصل على جائزة بوكر الرواية العربية لهذا العام عن روايته فرانكشتين في بغداد.
إن بلادنا مليئة بالطاقات، وهناك الكثير من المبدعين في شتى المجالات الإبداعية، سواءً الصناعية أو الفنية أو الأدبية أو غيرها، ولكنها مغمورة وبحاجة إلى إبراز ورعاية، الأمر الذي يتطلب من الحكومة الفلسطينية القادمة أن تأخذ هؤلاء بعين الاعتبار وتضعهم ضمن أولوياتها، وكم نتمنى أن يكون هناك وزارة تسمى وزارة الإبداع والمبدعين، وتكون منبراً حقيقياً للتواصل مع جميع أفراد المجتمع، والاستفادة من خبرات وقدرات أبنائه، بدلاً من الاعتماد على المستورد حتى في اللوحات الفنية وتجاهل كل ما هو محلي. وذلك حتى نستطيع انجاح مشروع بناء الدولة بكافة مقوماتها، والارتكاز على من بهم تنصر الأمة، لا على من يتزلفون لكبرائهم وهم لا يملكون سوى القليل من الثقافة أو الفكر والمعرفة. وأختم بأن كل أسرة عليها أن تحمي أطفالها من الموت البطيء حين تتوقف عن تعزيز طموحات الأطفال في انتظار جودو المؤسسات الذي لن يأتي.