رحلة الإبداع الأدبي ومحطاتها في عقل الأديب
"محاولة إسلامية للفهم"
1- مدخل عام:
استطعنا من خلال دراستنا (الظاهرة الأدبية في ضوء نظرية المعرفه القرآنية) أن نجلو أموراً كثيرة، تيسر لنا الدخول في عمق التجربة الشعورية في عقل الأديب، مما يساعدنا في فهم مراحل الإبداع، ويجعلنا قادرين على تفسير مسارات هذه العملية المعقدة، وتسليط الضوء على ما غمض منها، وهذا يكشف لنا في نهاية المطاف كثيرا من المطبات النقدية، التي يزرعها النقد العلماني في طريق المقولات النقدية، التي تتمرد على أطروحاته، ليبقى صولجان التنظير بيده، يلوح به في وجه التيارات المخالفة لحتمياته، التي نسجها في عقول الناس، لإحكام سيطرته على الفكر النقدي.
2- بداية الرحلة ومراحلها:
عرفنا فيما سبق من نظرية المعرفة القرآنية، أن القلب هو مستودع الفطرة، فطرة (الروح) في أصلها وطبعها قبل مخالطتها الجسد، وفطرتها عندما أصبحت (نفسا) بعد مخالطة الجسد وارتباطها به، حيث أضاف لها ذلك الارتباط التلاحم مع الواقع الأرضي وضروراته وأبعاده ومكوناته الزمانية والمكانية.
وهذا معناه أن النفس عند حالة الإبداع تمر في مراحل متعددة يمكن اختصارها في عبارات قليلة، تكشف التماس المعرفي مع الحياة، من خلال تجربة الأديب الغنية بالثقافة الذاتية الطموحة، من خلال المراحل التالية:
1. الواقع الخارجي (الزمان والمكان و البيئة الخاصة بالأديب): ونعني به الواقع بأبعاده الحسية كاملة، وما يتبعه من تماس وتحرش بين الذات وواقعها الخارجي ببعده الزماني والمكاني، وما يثيره في فكر المبدع وشعوره وموقفه.
2. رؤية الواقع: المناهج التي حكمت الذات أثناء إدراكها لهذا الواقع، وخبرتها في التحليل (الاستنتاج والفهم) والوصول إلى الحقائق.
3. موقف المبدع: ما هو موقف المبدع تجاه الحقائق المدركة لدية؟ وما فائدتها وجدواها في حياته وانعكاسها في فنه الأدبي الذي أبدع فيه؟
4. بناء النص: كيف تم بناء النص؟ وذلك من خلال التقاليد الفنية السائدة والممكنة في النوع الأدبي الذي يمارسه، واللغة التي وظفها المبدع في التعبير عن نفسه عندما تحرشت الأحداث الخارجية بشعوره وولدت لديه هذا الموقف.
5. وعندما يحصل التماس مع الواقع وتكتمل دائرة الوعي: بانقداح شرارة الموقف المواجه لحقائق الواقع، عندها يبدأ ضغط الإرادة المبدعة للتعبير عن هذا الموقف في تلك الذات المبدعه.
ومع أن (الموقف الشعوري) سمة عامة ومشتركة بين أبناء الجنس البشري بكامله، وليس للأديب وحده، إلا أن (الأديب) يفترق ويتميز عن أبناء جنسه بقدرته على نقل الموقف، بما أوتي من (الموهبة) والحساسية المرهفة المتحركة مع الموقف المتحرك المتفاعل مع الأحداث، وامتلاك أدوات الإبداع والتمرس والخبرة من خلال (النوع الأدبي) الذي يتناسب مع موهبته، وهذا ما يمتلكه الأديب ولا يمتلكه غيره من أبناء مجتمعه.
ولكن الشيء الذي نذّكر به أن (الموهبة) وحدها لا تكفي بدون الواقع الخارجي، لأنها ربما تبقى خاملة، وهنا تأتي أهمية (الواقع) في استفزاز الغرائز والطاقات والمواهب الكامنة في الذات المبدعة، وتستدرجها إلى شاشة القلب، حيث يفرز القلب المواقف من تلك الأحداث بإشراف الموهبة وخبرة صاحبها في اختزال عملية الإدراك،لإشباع هذه الغرائز والطاقات والمواهب سلوكياً وعملياً وتعبيرياً
3- ميزات المبدع (قطبي الوعي (الدماغ وحواسه + مملكة القلب)):
يفترق مبدع الظاهرة الأدبية (الأديب) عن مبدعي الظواهر الأخرى (الفكرية والعلمية والفقهية) من خلال مظاهر النشاط العقلي الذي يمارسه كل مبدع، حيث يكتفي العالم والمفكر والفقيه بتوظيف منطقتين من مناطق العقل، هما (الحواس والدماغ) فقط لتحقيق أهدافه ومنجزاته، وهي تكوين الرؤية الفكرية أو العلمية أو الفقهية، ومتابعة تطوراتها في الواقع والفكر، وتبقى جهودهم أسيرة للحواس والتفكير في إثبات الظاهرة، ولا تتجاوز هذا الحال إلا في القليل القليل، لأنه يحقق الهدف من خلال لغة بيانية علمية في خطابهم تسمى (الأسلوب العلمي).
أما في الأدب فالأمر مختلف تماما، لأن الرؤية الفكرية التي تعتمد على (الحواس والدماغ) وحدها لا تكفي، ولأن الأديب إذا اكتفى بالرؤية الفكرية أصبح مفكرا فقط، والفكر وحده لا يصنع أدبا، ولكن (الفكر المعرفي) يشكل المحطة الأولى التمهيدية للدخول في جوهر العملية الأدبية المعقدة قال تعالى: ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو أذانٌ يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) الحج46 ، لأن الفكر يزود الأديب بحقائق الواقع وفهمها، تمهيداً للدخول في المنطقة الثالثة من مناطق العقل بعد الحواس والدماغ، ألا وهي (مملكة القلب) ومشاعرها في إدراك قيمة الأشياء وإدراك مصالح الذات من خلال إصدار قيمه الحقيقة، والإحساس بالخير والشر والقبح والجمال، والنوازع المختلفة لإصدار (قيمة الحقيقة) المدركة لدى هذا القلب، ثم تحديد وإصدار الموقف القلبي الإرادي تحت ضغط الإلحاح الإرادي، الذي سوف يتحول إلى سلوك تعبيري فيما بعد، وهذا السلوك يعكس: (الموقف والقيمة والمشاعر والإرادة والطموح، وقيمة الحقائق وجدواها في إشباع الذات المبدعة) مما يكشف جدوى الحياة وفائدتها لدى الذات التي تعايش الأحداث وهموم الإبداع ، وتحوله إلى نص إبداعي يعتمد المنطق البياني الجمالي (بالأسلوب الأدبي) المعروف، الذي يعكس الحقيقة ببعدها الفكري والقيمي والموقف من خلال الإيحاء الجمالي بعيدا عن المباشرة، وهو أسلوب تعبيري يفرغ طاقات النفس ويعيد لها توازنها مع محيطها بهدوء وحكمة، وتتحكم في هذا المشروع الجمالي وصياغته، مجموعة من العوامل نظن أن من أهمها ما يلي:-
أ- عامل الموهبة: وهي استعداد فطري مخلوق غير مكتسب في أصله، ولكنه قابل للتطور والاكتساب والزيادة بالتعلم والتدريب، والموهبة حالة من الشعور المرهف والاستعداد الفطري للإبداع، ويتميز صاحبها أيضا بالحساسية واليقظة والانتباه الفائق الذي يتمتع به الأديب، هذه الصفات التي تجعل منه إنسانا يشعر بأدق التفاصيل والتغييرات والتحولات من حوله، التي ربما لا يحس ولا يكترث لها الإنسان العادي ولا يلقى لها بالاً.
ب. عامل اللغة: وتشكل اللغة الأداة الأولى والمادة الخام التي يصنع منها المبدع مشروعه الفني الجمالي البلاغي، فهي الوعاء الواسع، الذي يستوعب تجارب الموهبة والتعبيرعنها،
ج. عامل الخيال:
1- تعريف الخيال : الخيال ملكة إنسانية قابلة للتدريب، وهذه القابلية ترتبط بالعقيدة التي يحملها صاحب تلك الملكة في تفسير الحياة، والخيال الإسلامي خيال توحيدي، وجد تفسير الحياة والوجود كاملا في عقيدته، ولذلك لم يقع في الإسراف والتهويم الذي وقع فيه الخيال الوثني (الصوفي والفلسفي والعلماني) حيث انعكس ذلك في الصوفية الآسيوية (البوذية والطاوية والهندوسية وغيرها)، بميل المتصوف إلى الهروب من بحث حقائق الواقع بل يفسح المجال لخياله حتى يصنع عالما خرافيا ممزوجا بطموحات الذات، وظهر ذلك أيضا في آداب الخيال الفلسفي (اليونانية والرومانية) حيث الخيال المتخلف الذي يجعل لكل ظاهرة من ظواهر الكون آلهة تفسر وجودها، ثم جاء الخيال العلماني المعاصر ليعمل خيالا ممزوجا من تجربة الإنسان المعاصر، وتقدمه العملي ممزوجا بالوثنيات السابقة، كبعد فني ورمزي يرمز إلى الطموحات والأفكار، وهذا الخيال والتحليق والخيال المجنح الذي استعمله الخيال الوثني في فنياته يدل على الطفولة الحضارية للعقل المنفصل عن الوحي والإيمان بالله ولا يدل على التفوق.
2- توظيف الخيال : أما الخيال الإسلامي خيال الفنان المسلم والأديب المسلم، فهو خيال واقعي محبب، يمتد مع خريطة العقيدة الإسلامية في تفصيل الحياة وتفسيرها، وهو أوسع وأرحب من الخيال الوثني المجنح الذي يقوم على تدريب الخيال وتوظيفه بناءا على أوهام النفس وأساطير وخرافات الأمم السابقة التي توارثتها من ثقافاتها عبر تراكم القرون . ولو نظرنا إلى ما يتعلمه المسلم من (القرآن الكريم والسنة الشريفة) من خلال الصياغة الفنية والبلاغة القرآنية والنبوية، وجدنا أنها تعلمنا وتدرب خيالنا على (فنية الصدق والواقعية والجمال النظيف الصافي)، ونوضح ذلك من خلال مثالين: أحدهما من القرآن الكريم والآخر من السنة الشريفة، يقول الله سبحانه وتعالى في تشبيه اليهود الذين حملهم الله أمانة العمل بكتاب الله (التوراة)، ولكنهم عميت أبصارهم عن إدراك عظم هذه الأمانة، وقد نفى الله عنهم الفهم والعلم، وهم كالحمار الذي يحمل على ظهره ما لا يفهمه في قوله تعالى (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً) الجمعة 5، تشبيه في قمة الجمال والدقة والوضوح وفيه سخرية لاذعة للحمار الذي يحمل الكتب والعلم على ظهره ولا يفقه منها شيئا، إنه مجرد عتال لا يدرك قيمة ما يعتله.
وفي قول الرسول r من الحديث القدسي عن عظيم ملكه ورزقه لعباده الذي لا ينفذ، وأن الله لو أعطى كل مخلوق من (الجن والإنس) ما سأل، ما نقص ذلك من ملك الله شيئا (إلا كما ينقص المخيط من البحر)، ولو نظرنا إلى هذا التشبيه، نجد الصدق والدقة والجمال، إنها واقعية لا انحدار فيها، ولاحرفيه ولا تهويم ولا ضلال، وانظر إلى الخيط كم يحمل من ماء البحر، فالصورة فيها دقة واضحة حيث لا ينقص من ملك الله إلا الشيء الضئيل، وجاءت الضآلة في صورة جميلة بسيطة وحاملة للمعنى بواقعية صادقة في دقتها.
إنها الواقعية الإسلامية التي تحمل في ثناياها الصدق والجمال، والواقعية التي تقرب الفكرة إلى حد الصدق والدقة والبساطة التي لا تكلف فيها، إنها واقعية تأخذ خصائصها وأمثلتها من القرآن الكريم والسنة الشريفة، وقد تعلّم المسلمون ذلك منها فظهر ذلك في نماذج الأدب الإسلامي في القصة والشعر والفنون الأدبية الأخرى، وترى ذلك في شعر محمود حسن إسماعيل وهاشم الرفاعي ومحمد فوزي في قصيدة زوجة الشهيد تهدهد ولدها، وغيرهم من شعراء الإسلاميين كعبد الرحيم محمود صاحب (قصيدة الشهيد) ومسرحيات أحمد علي باكثير وغيرهم، إنها الواقعية التي تجمع بين حقائق (عالم الغيب) الحاضرة في خلق الله وإن غابت عن حواسنا، وحقائق (عالم الشهادة) الذي تدركه حواسنا، ثم جاء علم الوحي ليعلمنا كيف نتفاعل مع العالمين من خلال منهج متوازن الدلالات، يعلمه أن لا نتعامى عن حقائق العلم واحترامها، بل يتربى على الخضوع لهذه الحقائق برضا وتسليم.
3- تحولات الخيال :حيث يقوم الخيال الإسلامي على الواقعية الإسلامية التي تجمع بين عالمي (الشهادة والغيب) في مركب واحد يستمد خبرات عالم الشهادة من علمه وتجربته في الحياة، وخبرات عالم الغيب من الوحي وهديه وعلومه، فيمتد الخيال إلى تصور حقائق الحياة على الأرض، ويحلق مع حقائق الوحي وتفاصيل العقيدة ليصل إلى الجنة وصورها وخيراتها، ويتخيل النار وأهلها، ويتدرب خيال الأديب المسلم على تصور حقائق ومشاهد يوم القيامة، وما يجري في الدنيا في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، من خلال صورها الفنية في الآيات والأحاديث التي طرحتها.
4- طاقة الخيال: ثم تأتي طاقة الخيال لتشرف على اللغة وتستفيد من خصائصها، وتستثمر دقائقها في صياغة المشروع الأدبي، حيث تصنع من خامات هذه اللغة اللبنات الأولى للتقنيات الفنية في صناعة وصياغة الموقف الجمالي من خلال ما يعرف في النقد (البيان والمعاني والبديع والفنيات الحديثة)، وما يتميز به النوع الأدبي من خصائص غالبة، ويتأثر امتداد الخيال بعقيدة المبدع، ويساعد (النوع الأدبي) المناسب لموهبته في التحكم بالأطر العامة للتعبير وحصر الخبرة وتيسير عملية الإبداع، لمنع التجربة من التشتت بين الأنواع الأدبية وضياعها أو ضعفها، وتحتكم طاقة الخيال إلى ثلاثة من (مقاييس الذوق الفني العام، لتنظيم عملية الإبداع، وضبط العلاقة بين التجربة الشعورية القلبية التي تشكل بؤرة المخاض والجهد المبذول من قبل الخيال)، وهذه المقاييس هي( المعقولية والجمال ونقل التوتر) :
أ- المعقولية: ونعني بها ضبط مناسبة (المقال البلاغي الفني) للحال (الشعوري القلبي) وبواعثه، ثم ضبط دفقاته ضمن شروط اللغة وشروط النوع الأدبي، وكثيرا ما يفصله النقاد تحت مسميات صدقية النص وهي:
1. الصدق الواقعي: ونعني به الحقيقة في واقعها المستقل عن شعور الأديب في زمانه الذي عاش فيه وعلاقة ذلك بالنص.
2. الصدق الشعوري: الموقف من حقائق الواقع المعاصر في نفس المبدع أو الأديب دون مواربة أو التفاف، ومدى توافقه مع الحقيقة ومخالفته لها.
3. الصدق الفني: ونعني به الأداء الفني للنص ومدى قدرة التقنيات الفنية ونجاحها في حمل ونقل الموقف بدقة، وقدره المبدع ومدى التوفيق الذي حالفه في تحقيق هذا الأمر وإيصاله للقارئ، ومدى تفاعله مع هذا النص.
فإذا حصل التطابق بين طبقات (الصدق الواقعي والشعوري والفني) في تحقيق الهدف، وهو إبلاغ الموقف للقارئ، نقول إن المعقولية تمت بطريقة ناجحة وسائغة ومقنعة ومؤثرة، وإذا فقد هذا التوافق اختل بناء النص وصدقه وقدح في صدقه والتفاعل معه.
ب- الجمال:
ويكون ذلك بتوظيف البناء الفني والبلاغي وتقنيات النوع الأدبي بناءاً قائما على التناسق والتناسب الجمالي، الذي يتحمل نقل الصدق (الواقعي والشعوري والفني) وتوتراته بطريقة موحية ذكية تراوغ عن المباشرة، وتميل إلى الإيصال والبيان من خلال الخطاب الجميل الممتع الذي يجانب المباشرة ويبتعد عنها.
ج- نقل التوتر من داخل الذات إلى النص :
1. نقل التوتر في فن الشعر :
ويعتمد هذا المقياس على دقة نقل حالة التوتر داخل الجهاز العصبي للمبدع أثناء معايشة التجربة الشعورية، وذلك من خلال رسم حركية هذا التوتر بالقمة والقاع التي تكشف حالاته وتوزيع انسيابه فيما نسميه (موسيقى الشعر)، حيث تتولى الأوزان تسجيل حالة التوتر في صعودها ونزولها ومراوحتها.
ومع الزمن يمكن أن تذهب هذه التجربة الشعورية وتُنسى، ولكن موسيقى الشعر تبقى مخلدة حافظة لذلك التوتر على مر القرون، ويستطيع القارئ أن يستعيد تلك التجربة، وذلك التوتر الذي رافقها، ويتعاطف مع نص الشاعر، رغم تباعد الزمان والمكان بينهما، وذلك بفضل (موسيقى الشعر) التي سجلت هذه التجربة وما رافقها من توترات بدقة وأمانة.
2. نقل التوتر في فنون النثر:
أما في فنون النثر وأنواعه المختلفة ( كالقصة والرواية والمسرحية والخطبة والمقالة وغيرها) فيستعاض عن الأوزان العروضية في الشعر لنقل التوتر، بإيقاع البيئة وميزاتها وأصواتها وروائحها وألوانها، ويستفاد أيضا من اللغة وجرسها وجزالتها أو رقتها وموحيات ألفاظها وتراثها وأمثالها وقصصها ورموزها، وغير ذلك من مفيدات النثر وفنونه، ولكنه إيقاع منقطع موزع متناثر، لا يحكمه التكرار المنضبط المنظم الذي يحكم فن الشعر، وقد مثل أحدهم لهذا الفارق بين الشعر والنثر بقوله (الشعر كالرقص والنثر كالمشي).
د- عامل الثقافة والخبرة في بناء النص:
لا شك أن لتراكم الخبرة والثقافة العميقة والتجارب والمعايشة الممتدة، والتمرس في الحياة والتجريب المستر لهذه الفنون الأثر العظيم في حالة الإبداع والرقي بها، حيث تطوع مشروع الإبداع الفني وتمده بالبدائل التي تساعده على النمو والإتقان بمرونة وإمتاع والنجاح في الوصول إلى البيان المطلوب، وبذلك يشارك الدماغ في صياغة المشروع الأدبي الفني في حالتين هما :
1. الحالة الأولى: عندما يقوم الدماغ باستقبال الحدث الخارجي من خلال الحواس الخمس، وتتم عملية جمع المعلومات ثم استخراج الرؤية الفكرية والحقائق والمفاهيم التي يمثل مسار استقبال المعلومات عن طريق الحواس من الواقع الخارجي إلى مناطق التفكير داخل الدماغ وضمن مناهجه في التحليل والفهم .
ب. الحالة الثانية: أما في هذه الحالة فإن مسار الدماغ ونشاطه يقوم على صياغة النص الذي يتحمل مسؤولية نقل الموقف الشعوري من داخل النفس إلى خارجها، حيث يفرغ هذا الموقف في النص من خلال الصياغة الفنية التي تخرج الموقف من لغة الذات ومشاعرها إلى لغة الخطاب الأدبي التي يفهمها المجتمع.
وهكذا تبرز الظاهرة الأدبية وتظهر في مجموعة من (الفنون الأدبية) المختلفة التي تشبع رغبة الإنسان في البيان عن نفسه (كالشعر والقصة والمسرحية والمقالة والمثل والخطابة) وغيرها.
وعندما نرى أن الأديب قام بالمهمة التي لم نستطع القيام بها، حين أبدع بنقل الموقف المشترك الذي يوحدنا معه كجمهور، عندها تحصل عملية التفاعل والتذوق للأدب، وتتحول الأكثرية إلى جمهور يتمتع بما أنجز هذا المبدع، ويتم ذلك حين يتناسب مقال الأديب (البلاغي والفني والشعوري) مع حال القارئ والمتلقي (كتذوق العاشق) لقصائد الغزل أو قصصه،
أو (تذوق المجاهد) لقصائد الجهاد، أو (تذوق الكبير) في السن لقصائد الحكمة وقصصها، أو (تذوق الغريب) لقصائد الحنين للوطن، وهكذا.
4- محطات الإبداع: تكلمنا عن رحلة الإبداع في عقل الأديب، وهي مرحلة طويلة ممتدة تبدأ منذ طفولة الأديب، وبالنمو المضطرد مع التكوين الثقافي والفني، حتى مراحل النضوج والإبداع المنتجة للنص، ولعل أهم محطات الإبداع التي أشرنا إليها هي المحطات التالية:
أ. محطة الواقع الخارجي: ونعني به الواقع الخارجي ببعديه الظاهر(عالم الشهادة)، والباطن (عالم الغيب) وانعكاساتها على نفس الأديب.
ب. محطة الحواس: وهي المحطة التي تمثل قناة الاتصال بين الذات المبدعة والواقع الخارجي بأصواته وألوانه وأبعاده ومذاقاته وروائحه ومحسوساته ومشموماته والمخلوقات والبيئة وكل ما حوله.
ت. محطة التفكير: وهذه المحطة تقوم باستيعاب معطيات الحواس عن الواقع الخارجي وتقوم بجمع المعلومات الحسية الواردة، وتستخرج منها المفاهيم والحقائق لتكوين الرؤية الفكرية للأديب بأبعادها المختلفة من خلال منهج يجلي الحقيقة الدماغية التي تمهد لطلب قيمة الحقيقة من القلب.
ث. محطة القلب: يقوم القلب باستقبال الحقيقة من الدماغ ليصدر لها ما يسمى بـ (قيمة الحقيقة) الشعورية لدى القلب، وهي عبارة عن موقف شعوري قلبي لحقائق الدماغ يفرزه القلب، ونلاحظ أن كل محطة من هذه المحطات تفضي إلى الأخرى، وتترك آثارها وبصماتها في تلوين عملية الإبداع، وفي المحطات السابقة نجد أن الدماغ يقيم علاقته مع الواقع الخارجي والحواس.
ج. أما في مرحلة بناء النص وميلاده: فإن الدماغ يقيم علاقته وتنسيقه مع قوى الداخل في القلب، ويسخر خيراته تحت تصرفها، لأن الأمر الآن خاص بالقلبية، حتى يخرج النص وهو يحمل في طياته وطبقاته درجات المشاعر المختلفة، والإحساس بالزمان والمكان، وقيمة الحدث والموقف الشعوري وجدوى الحياة في هذه الحالة المعبر عنها، والطموح والأحلام والرغبات والإرادة لإحداث التوازن بين النفس المبدعة والواقع الخارجي في لحظة التفريغ الإبداعي وميلاد النص، والمبدع في هذه اللحظة لا يهمه إلا شئ واحد هو الانسياب السلس والميلاد المكتمل للنص، وهذا معناه أن المبدع لا يهتم بالالتزام في هذه اللحظة، لأنه يعتبر الالتزام يتم في مرحلة متقدمة امتدت من الطفولة وإلى المراحل التربوية طوال حياته، ولكنه منسي وغائب عن ذهنه في مرحلة الخطاب التي يولد فيها النص لأنه منشغل البال في حالة الإبداع التي يعايشها ويعيش تحت وطأتها .
ح. عندما يشعر الأديب باكتمال نصه ويقوم بمراجعته وتحكيكه ويفرج عنه ويسمح له بالنشر والوصول إلى أيدي القراء، وبذلك تبدأ العلاقة بين الأديب (المنتج) والقارئ (المتلقي)، وهي علاقة غير مباشرة، لأن المتلقي في الغالب يتعامل مع النص ولا يتعامل مع صاحبه الذي أنتجه إلا في مناسبات محددة كالندوات والمقابلات.
المهم في الموضوع هو أن المتلقي يتعامل مع النص وطبقاته من جهته التي يطل بها إلى داخل النص فالمبدع يبدأ في علاقته مع النص من الحياة، وينتهي إلى التعبير عنها وعن تجربته من خلال النص، أما من جهة المتلقي فتبدأ العلاقة مع النص من خلال قراءة النص، واكتشافه وتذوقه من خلال اختراق طبقات النص، إلى أن ينتهي إلى الحياة والظروف التي أنتجت النص، وهذا الجدول يكشف لنا الأمر ويوضحه بشكل جلي يبين فائدة المقارنة وجدواها في التمييز بين العلاقتين، علاقة الأديب مع النص، وعلاقة القارئ مع النص:
النص من جهة المبدع الواقع الحواس حقائق التفكير موقف القلب موهبة بناء النص الواقع الذي نتج عنه النص الحواس حقائق التفكير موقف القلب وعواطفه تحليل النص النص من جهة المتلقي
لذلك تتم محاكمة النص من خلال خطوات تبدأ بقراءة (الصياغة الجمالية)، و(تحليل النص) ويخترقها لتصل إلى (المشاعر)، من خلال مشاركتها وظهورها في النص، ومنها تنتقل إلى (الرؤية الحسية) التي كونت قاعدة المعلومات، ومنها إلى (الواقع الخارجي) الذي عايشه الأديب، وحرك هذه المجموعة من المتواليات التي تحرك بعضها بعضا، لنرى جهد المبدع في صياغة النص وإبداعه وكل ما سبق يدخل في باب ما يسمى (طبيعة الأدب).
5. وظيفة الأدب (حرية الأديب وحرية المتلقي)، أما وظيفة الأدب والاستفادة منه فهي وظيفة تالية، ويكشفها الناس في الأديب بعد أن يخرج أدبه من ملكيته، ويصبح ملكا لأمته، وعندما يجد الناس في أدبه ما يفيدهم يوظفونه في مناهج التربية والتعليم والإعلام والسياسة والثقافة والفكر والفنون: كالغناء والإنشاد والمسرح والتمثيل والقراءة من النقاد والمتذوقين والعلماء والباحثين).
وهذا يدل على أن المجتمع لا يملك أن يتدخل في حرية الأديب قبل ميلاد النص، وقبل وصوله إليهم، ولكن قد يتأثر الأديب بثقافة مجتمعه، ومنذ طفولته وشبابه ومراحل حياته، فيمتص منها ما ينفعه، وما يقتنع به بحرية تامة في مراحل التكوين الأولى لشخصيته.
وعلينا أن نتذكر أن التأثير متبادل بين المجتمع الأديب، باختيار تام من الطرفين، فهو يتأثر بهم وهم يتأثرون به، وتتم قراءة النص في فترات متباعدة وأزمان مترامية، ومن الأمثلة التاريخية التي تؤكد ما ذهبنا إليه أن وظيفة الأدب يصنعها المجتمع، وهي وظيفة منفصلة عن مراحل الإبداع. ما حدث في تاريخنا الثقافي والنقدي وهي أن العرب اكتشفوا جمال الأدب وتأثيره فوظفوا هذا الجمال في حياتهم ومجالس سمرهم، واستعملوه في تهذيب الأبناء وصقل ترتبيهم حين حرضوا على الاهتمام به وحفظه لما وجدوا فيه من عظيم الفائدة في التهذيب وتعلم الفصاحة وتذوق الجمال وتدريب الملكة اللغوية عند الأبناء.
أما في عصرنا وأيامنا فقد تعمقت علاقة المجتمع مع الأديب، فليس من الضروري أن تكون مقاييس (القارئ أو الجمهور) للأدب هي نفس مقاييس (الأديب المنتج)، فقد يمجد الجمهور الأدبي (القارئ والمستمع والمستمتع والباحث والناقد والعالم والمتعلم والمنشد والمغني والأدباء ومؤسسات المجتمع) القيم والقواسم الثقافية المشتركة مع المبدع، وكثير من الناس يهتم لقيمة الجمال ويتأثر بها، وبقدرة المبدع على الإيصال، ولكنها ليست القيمة الوحيدة في العمل الفني، وقد يمجد القارئ قيمة البطولة والثبات أو الدعوة إلى العدل، وقد يمجد القارئ الصدق والالتزام ومقارنه التجربة بينه وبين المبدع، وقد يهتم هذا القارئ بكشف أغوار النفس أو جدوى الحياة أو الجرأة، وقد يهتم القارئ بشعر الحكمة والوصف والتجارب لأنه يقدر الخبرة وينتفع منها، أو الاهتمام بشعراء الدعوة الإسلامية لما في إنتاجهم من تفاعل مع دين الأمة، والبعض يرى في الشعر والقصة والخطابة والمسرحية وبقية الفنون الأدبية أنها تربي على الفصاحة والرجولة وتنضج الحكمة وتنمي العقل وتصقل الطباع وتهذبها، مما يؤدي إلى صناعة الذوق العام للأمة، فيصنع لها سلوكا عاما في تذوق الجمال وترشيده والرقي به، ومعرفة حدوده مع القبح.
6- حالة التفاعل ما بين المنتج والمتلقي (تحليل وتفسير) :
ومن الأمور التي تساعد على تفسير حالة التفاعل أو الانقطاع بين الأديب والجمهور المتلقي من أبناء أمته، أمور وعوامل كثيرة، هي التي تجعل هذه الوشائج والعلاقة تتصل أو تنفصل، من خلال معرفة المشترك بين (الأديب) والمتلقي (الجمهور) التي تكشف المؤثر المهم من هذه العوامل المشتركة بين الطرفين وهي: (اللغة والذوق الجمالي المشترك والثقافة المشتركة، والانتماء لحضارة واحدة، وللتاريخ المشترك والجغرافيا المشتركة (الوطن) والدين الذي يصنع الفهم المشترك والمصالح المشتركة والإنسانية المشتركة)، فإذا خرج المبدع على المشترك الذي يوحده مع أبناء أمته، وبدأ بتدمير هذه العلاقة معناه أنه بدأ يفقد علاقته مع المتلقي تدريجيا بحدود ما دمر أو خرج عنه، وهكذا فإن الأديب إذا ركب رأسه واختار حريته ومنافعه على حساب الجوامع والقواسم المشتركة مع أبناء أمته، فأظن أن قد انبتّ بينهم حبل التفاهم، ولم يعد لهم حاجة في أدبه، لأنهم لا يجدون فيه ما يتناسب مع ذوقهم أو ينفعهم، ولم تعد تهمهم فصاحته وتجديده ومواهبه وعبقريته، لأنه وظفها في هجاء الأمة وعقائدها وثقافتها، فكيف يطلب من الأمة أن تقدر موهبته، وهو الذي فضل حريته وفرديته تحت مسمى (حرية الأديب) في التطور وربما الانحراف عن طريق الأمة وانتماءاتها، وبذلك ظهرت إشكالية طارئة تسمى (الحريات المتضاربة) حرية الأديب تقابلها حرية المجتمع (القارئ والجمهور) الذي يملك أن يهمله، ويغرقه في بحر النسيان، ( ولهذا يلجأ هذا النوع من الأدباء إلى تلقي العون والدعم من الجهات، التي أغوتهم وحرضتهم ضد الأمة، لمحاولة حمايتهم من الإهمال عن طريق العرض الإعلامي المتكرر ومنح الجوائز وحشد الجمهور والتضخيم الإعلامي لفرض هذه الأسماء على الجمهور، وهي وسيلة رخيصة وقد تكرر الأسماء على مسامع الناس، وقد يقع الناس في تكرار هذه الأسماء لكثرة ما سمعوها،ولكنهم في الحقيقة لا يحفظون شيئا من نصوصها) وهو جمهور مؤقت صناعي وليس طبيعياً.
في نهاية هذه الفقرة نذكر المبدع والمتذوق أن الحرية المطلقة لأي من الطرفين لا معنى لها، لأنها تعني الانفلات، ولا يكون التوازن الطبيعي إلا أن يدرك الجميع قيمة القواسم المشتركة، التي تجمع بين (المبدع والمتذوق) لحفظ حبل التفاهم والتواصل بينهما دون الوقوع في العبث والحماقات الجاهلة التي تهدد الأمة بالتفسخ والتشظي في ثقافتها.
7- شبهات مستوردة يثيرها العلمانيون: يزعم العلمانيون أن الالتزام يضعف الأدب، لأن الالتزام في زعمهم يقوم على القيود، والأدب يقوم على الحرية التي ترفض القيود، وهذا في زعمهم يؤدي إلى تشتيت طاقة الأديب ويضيع جهده في المواءمة بين (الحرية والقيود) فيؤدي إلى ضعف الإبداع، وهو زعم غير مبرر وغير مقنع، لأن الالتزام قناعة قائمة على الحب والاختيار والحرية وتمتد في تربية الأديب منذ طفولته، وحتى نضجه وبإرادته واختياره، وهو الذي يصنع شروط الالتزام الذي يراه مناسباً لفهمه ووعيه وحبه للقضايا التي يستمتع في الدفاع عنها بقناعة وارتياح.
كما أن خلو ذهن الأديب من أي التزام أمر شبه مستحيل، وكل أديب له فكر يؤمن به في تفسيره للحياة، وهذا الفكر يشارك في صناعة أدبه ويؤثر فيه، ومن فرضيات هذا الالتزام أن يكون إما ( دينيا أو فلسفيا أو صوفيا أو عبثيا أو خرافيا أو فنيا). ولكن ما يقصد إليه النقد العلماني من الأيدلوجية هو (الدين) بينما نراه يتسامح مع العقيدة والإيدلوجيا إذا كانت فلسفية أو صوفيه أو فنية أو عبثية. وهنا يتبادر إلى ذهننا هذا السؤال وهو: لماذا يوافق العقل العلماني على نسبة الأدب إلى اللغة وإلى الزمان والعصر والمكان والفلسفة، ولكنه يهاجم نسبة الأدب إلى الدين؟
وأظن أن هذا الموقف السلبي من الدين في النقد العلماني يعود لحالة العداء التاريخي بين العلمانية والكنيسة، وهنا نعود إلى سؤال آخر: وما ذنب الإسلام في هذا الأمر؟!
فالإنسان لا يمكن أن يعيش بدون عقيدة ولكن (العلمانية) تمارس عملية فصل الأدب عن الدين والقيم قسرا وإكراها ،بعد أن سرقت سوط الكنيسة وحاربت استبدادها،عادت العلمانية لتمارس دور الكنيسة المسيحية بكنيسة جديدة هي ( كنيسة العلمانية اللادينية) التي تحكم العالم بسوط العلمانية، وحتمياتها التي تفرضها على الآخرين، فمن الذي فوض العلمانية هذه السلطة العمياء الظالمة التي لا تلزم أحدا بالخضوع لها؟
وهنا نكرر ما قلناه في صفحات سابقة، وهو أن الأديب لا يعيش هم الالتزام أثناء كتابة النص، وإنما يعيش هموم المبدع، أما الالتزام فهو عملية سابقة واختيار مبكر قام على الحب والإختيار.
مع علمنا أن الأديب الفذ هو الذي يمتص أطياف الأيدلوجيا بأنواعها: ( الدينية أو الفلسفية أو الصوفية أو الثقافية أو الخرافية أو الفنية (المذهب الفني) ويهضمها ويدخلها ويضعها ذائبة سائغة في كيان النص، ولا يلصقها على سطح النص بطريقة فجة، وأنها عملية هضم فني، وتمثيل لهذه الأيدلوجيات تدخل في تطعيم النص من خلال الأساليب الذكية الجميلة، التي يمتاز بها الأدب على غيره والأنشطة التي يمارسها العقل البشري تماما مثلما فعل الشاعر الإنجليزي أليوت في قصيدته (الأرض الخراب) وكذالك في قصائد ونصوص الشاعر الباكستاني محمد إقبال الذي أدخل المشاعر الإسلامية إلى عمق النص بقوة واقتدار والأمثلة كثيرة ولا حصر لها حيث أدخلت الأيدلوجيا (الدين) إلى عمق النص، تشارك في كيانه وتكوينه، ولم تلتصق على جسد النص كما يحصل في النصوص الرديئة.
ونلاحظ أن العلمانية تطالب بعدم محاسبة الأديب على مضمون النص والاكتفاء بمحاسبته على مشروعه الجمالي فقط، وإهمال المضمون، وهذا طلب غير عاقل، لأن النص المتوازن ينجح في البناء الفني ويتوازن مع المضامين الراقية، وهذه الدعوة إلى عدم محاسبة الأديب على مضامينه، أظن أنها دعوة إلى التهرب من الالتزام ومن المحاسبة، ليعود نموذج الأديب الذي يوظف الجمال الأدبي في خدمة الأهواء والباطل، تحت مسمى الحرية التي لا يحسن كثير من الأدباء معرفة حدودها في ثقافة أقوامهم رغم كثرة المزاعم التي تدعي الحرص على المصلحة العامة عند كثير منهم ، فالأدب الصادق هو الذي يجذب قلوب الناس بقدرته الحرة على عرض النص عرضاً جمالياً فنياً ، بعيدا عن الضخ الإعلامي والدعاية المضلله للرأي العام ،التي يصنعها أصحاب المشاريع السياسية المشبوهة لحماية مصالحهم ويستثمرون فيها الأدب لأغراض سياسية انتهازية ، وليس بهدف رفع ذائقة الجمهور التي لا يقوم بها إلا الأدباء الصادقون الذين يخرجون من عمق الأمة ويحملون همومها ومعاناتها ، وانظر إلى ما تشير إليه هذه الأبيات من تلك الأحوال :
* وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
إذا اشتبكت دموع في عيون تبين من بكى ممن تباكا
* لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها.
وسوم: العدد 688