مذكّرات عبد الحليم خدّام

يسأل الزميل علي الظفيري ضيفه في "المقابلة"، عبد الحليم خدّام (85 عاما)، عمّا إذا كان يشعر بأنه أخطأ في شيءٍ طوال حياته السياسية، فيجيب بالنفي. والمعلوم أنه ليس مهماً أن الرجل كان نائب الرئيس السوري الراهن، نحو خمس سنوات، قبل أن يخرج على النظام في بلاده، فينشقّ ويقيم في باريس منذ 12 عاماً، وإنما الأهم أنه كان وزير خارجية سورية عقدا ونيّفا، وصاحب أدوارٍ رئيسيةٍ في الأثناء، ليست كلها بالضرورة محض تنفيذية، في شؤون علاقات بلاده الإقليمية والعالمية، وقد ظل كذلك نحو عقدين، لما اكتُفى فيهما بتسميته نائبا للرئيس، حتى أزيحت عنه تلك المسؤوليات في زمن الأسد الابن. 

لم يكن متوقعاً أن يفاجئ عبد الحليم خدّام مشاهديه على شاشة "الجزيرة" بكشفٍ جديد، أو بشيءٍ من المراجعة لتجربته في السلطة، وفي الدبلوماسية والسياسة، بل كان يكفي لنا، نحن النظّارة، خصوصاً من ذوي "الدقّة القديمة" المولعين برؤية العتاقى في غير شأن، أن نرى "أبو جمال" في شيخوخته، متّعه الله بالصحة، ونتأمل في منطوقه، خصوصاً وهو يصف حافظ الأسد دكتاتورا. كان يكفينا من إطلالته أن يتذكّر قدّامنا نتفا من مخزون ذكرياته العامر، مما يمكن، أقلّه، الاستئناس به لفهم المشهد السوري الحادث. 

كان مرغوبا لو أن السياسي السوري المجرّب سئل، في "المقابلة"، عمّا إذا كان يعكف على تنفيذ وعده، لمّا أشهر خروجه على النظام، على شاشة "العربية"، أي كتابته مذكراته، فقد مضى أكثر من عقد، ولم نعرف عن الأمر شيئا، وتوفّي غسان تويني الذي رحّب بنشر دار النهار هذه المذكرات، حال صدورها. وعلى أهمية مؤلَّفه "التحالف السوري الإيراني والمنطقة" (صدر في 2010)، إلا أن مذكراتٍ متقنةً، تتوفر على مقادير معقولةٍ من شروط فن كتابة المذكرات وسردها، يكتبها الوزير والمحافظ ونائب الرئيس سابقا، بتوثيقٍ متقن، وبصدقيةٍ لازمة، وبمقادير مطلوبةٍ من الإضاءات على غير مسألة، تبقى مهمة، ومفيدة، وتقدّم شهادة شريكٍ في صناعة القرار السوري في غير ملف، وفي البال الموضوعان، اللبناني شديد السخونة والتعقيد في زمن الأسد الأب وخدّام، إبّان الحرب الأهلية وتفاصيل التفاصيل فيها، والفلسطيني الذي كان بغض حافظ الأسد شخص ياسر عرفات واحدا من أهم عناوينه السورية، في منعطفاتٍ ووقائع بلا عدد. 

ولكن، أن يقول أبو جمال إنه لم يخطئ في شيء طوال حياته السياسية التي بدأت منذ كان في عمره 35 عاما محافظ حماة، حتى تركه كل مهماته ومواقعه في مؤتمر حزب البعث، قبل أسابيع من مقامه منشقا في باريس، فذلك قد يقلّل من الأهمية المتوقعة لمذكراتٍ يعكف على إنجازها. ولأن سورية تحديدا من أبرز الدول العربية التي تعرف نقصاً مريعاً في شهادات أهل الحكم والقرار والخبرة، (مذكرات أكرم الحوراني بالغة الأهمية) فإن إسراع خدّام إلى تدوين مذكراته ونشرها سيكون محمودا منه. وعلى أي حال، يبقى ما سيكتبه محلّ نظر وفحص وتدقيق، من شهود وعارفين آخرين، ومن كتّاب التاريخ ودارسيه. والظاهر أن الرجل إما أنه غير مستعجلٍ في هذا، وهو في منتصف العقد الثامن من عمره، أو غير مكترثٍ بالمسألة، بدلالة قوله في "المقابلة" إنه يعد كتابا عن الانقلابات في سورية، فيما الأدعى أن ينصرف إلى ما تتحدّث عنه هذه الأسطر، والذي يسوّغه ما نُقل عن النجل الأكبر لخدّام، مرة، إن والده سجّل ذكرياته في 30 ألف صفحة (!!)، كما ذاع، مرة، إن خدّام عكف على تنظيم 12 ألف صفحة (!) كان قد كتبها، ليستخلص منها مذكراته التي ستكون كبيرة. 

نشر مصطفى طلاس، وزير الدفاع السوري الأسبق، ورفيق عبد الحليم خدّام في رفقة حافظ الأسد في السلطة، وقبلها، مذكّراته "مرآة حياتي" (خمسة مجلدات!) في 1990، غير أنها لم تُحدث اكتراثا جدّيا بها، من فرط غزارة الخراريف والثرثرات فيها، ولأن صاحبها لا يُؤخذ عادةً على محمل الجد، مع التسليم بأن فيها منسوبا طيبا من التسلية، مع بعض الأهمية في مطارح فيها. أغلب الظن أن لمذكراتٍ يكتبها عبد الحليم خدّام شأنا آخر.

*كاتب وصحفي من الأردن.

وسوم: العدد 711