العنف وأثره النفسي والسلوكي في الأطفال
(القصة والمسلسلات التلفازية نموذجاً)
امتن الله على عباده بالأمن وأمر بعبادته فقال:
(فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.)
وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ترويع المسلم وبيّن أن ذلك لا يحل:
"لا يحل لمسلم أن يروّع مسلماً"
كما أوضح في حديث آخر أن الأمن نعمة لا تعادلها نعمة في الدنيا، فقال:
"من بات آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".
وإذا كان الكبار يسعون لينعموا بالأمن، فإن الصغار أشد حاجة له، لأن براءة نفوسهم وقلة خبرتهم بالحياة وحاجتهم للآخرين كل ذلك يجعل الأمن حاجة أساسية من حاجات الطفولة.
إن الطفل لينزعج أيما انزعاج وهو يستمع إلى قصص البشاعة والقسوة، أو يقرؤها، وهو يملؤه الخوف والذعر فيلجأ إلى من حوله ليحتمي بهم، وتفزعه مشاهد الدماء والقتل والظلم الفادح، وتطارده الكوابيس في نومه وتتلون نظرته إلى الحياة بلون قاتم مخيف محزن، ولهذا فإن الذين يكتبون للأطفال يجب أن لا يغرقوا في مثل تلك المشاهد والأحداث المرعبة، بحجة أن الحياة فيها الخير والشر، وفيها القبح والجمال، والظلم والعدل.
إن الانحياز إلى الجوانب الخيرة المشرقة في الحياة أمر حيوي بالنسبة لأدب الأطفال، ولا بأس من الإشارة بطريقة غير تفصيلية لما قد يعتمل في أحداث الحياة من انحرافات وخطأ حتى لا يخدع الطفل وهذا هو الأسلوب الأمثل في تصوير الحياة والناس للطفل كما يمكن للكاتب أن يلمح إلى أن الشر عاقبته وخيمة، وأن الخير يفضي إلى السعادة، والفلاح ! ويزداد أثر القصة إذا تحولت إلى مسلسل تشترك فيه الصورة والحوار والحركة، ويبرز أثرها في الطفل، وقد دلت كثير من الدراسات أن الطفل –عادة- يحاول التشبه بالشخصيات التي يعرضها التلفزيون نظراً لاعتقاد كثير من الأطفال أن العالم الذي يشاهدونه على الشاشة هو مرآة صغيرة للعالم الحقيقي، كما أن عدداً كبيراً من المراهقين يحاولون تقليد الأدوار التي يقدمها التلفزيون لكي يلعبوها في حياتهم الواقعية، وعندما تقدم الشاشة عنصر العنف فإن هذا العنف يتسلل إلى نفوس الأطفال ويحاولون تقليده ومحاكاته حتى يشعروا بانتمائهم إلى عالم الكبار، وبهذا يكتسب الأطفال، وبطريقة تدريجية غير مباشرة مجموعة من القيم الاجتماعية والأخلاقية عن طريق المشاهدة التي تؤدي إلى الاستجابة التي تتلاءم مع مفاهيم المجتمع المتحضر؟!!
ومن خلال استطلاع للتلفزيون المغربي عن التأثيرات النفسية التي يمكن أن تبرز في سلوكيات الأطفال نتيجة للمسلسلات التي تعتمد على قصص البطولة الخيالية، أكدت إجابات المتخصصين في مجال الطب النفسي وفي المجال التربوي على أن هذا النوع يؤدي إلى بروز دوافع عدوانية يصعب تفاديها، وإن الأضرار في هذا النوع أن الأطفال يتعلمون أن الأبطال ينفذون كل ما يحلو لهم بأيديهم وسلاحهم المتطور!
فالصراع الذي يدور في المسلسل مثلاً حمل مكائد كل طرف للآخر بما فيه من غرائب وأخيلة تفوق خيال الطفل، ومن تأثيراتها أيضاً أنها تمنع ظهور أهم القيم والسلوكيات في النفوس، ألا وهي احترام القوانين، واحترام الكبار والذوق واللياقة؛ لأن البطل فيها ينتزع مهمة القانون والقضاء بيده هو! ومن المعلوم أن فرض شريعة القوة والاغتصاب سيء جداً على نفسية الطفل الذي اعتاد أن يلجأ إلى والديه في فض النزاع بينه وبين إخوانه.. إنها تحرم الطفل من كل هذه القيم، وتضعه فجأة أمام بطل خارق يأخذ كل شيء بيده!
كما أن الإكثار من مشاهدة أفلام العنف يؤدي إلى إدمان المشروبات الكحولية، وذلك من خلال دراسة قامت بها جامعة ستانفورد وشملت 1533 تلميذاً، يقول رئيس الفريق الذي قام بالدراسة:
"إن كل ساعة إضافية يقضيها الفتى وهو يشاهد الأفلام الموسيقية الصاخبة، أو أفلام العنف تزيد احتمالات إدمانه المشروبات الكحولية في العامين التاليين بنسبة 1 في المائة"
وما تزال الدراسات التي توضح العلاقة بين العنف والسلوك تتوالى نتيجة بروز ظاهرة العنف في كثير من المجتمعات موضحة أن ما يحدث في الأفلام قابل للعدوى، وأن الصور قادرة على إثارة العنف، ويرى الدكتور فلاح البلعاسي العنزي في كتابه "مدخل إلى علم النفس الاجتماعي المعاصر" أن تكرار سلوك الأطفال العدواني في أثناء اللعب يزداد زيادة كبيرة إذا شاهدوا نموذجاً عدوانياً قبل اللعب، وإن مشاهدة العنف تؤدي إلى زيادة في العدوان الجسدي، أو اللفظي، وأن هناك دراسات معمقة اختبرت الآثار طويلة المدى لمشاهدة العنف وبينت أن كمية مشاهدة العنف في عمر الطفولة أو المراهقة ترتبط بالسلوك العدواني للفرد بعد عام أو سبعة أعوام أو عشرين عاماً!!
المراجع:
- أدب الأطفال في ضوء الإسلام د. نجيب الكيلاني.
- أدب الأطفال (فلسفته، فنونه، وسائطه) هادي نعمان الهيتي.
- القصة وأثرها في الطفل المسلم. يحيى الحاج يحيى.
- صحيفة الشرق الأوسط عدد 7304