هواجس نسب أديب حسين والضياع
في نصوصها الأدبيّة في هواجس الماء...أُمنيات الزّبد تستحضر الكاتبة الفلسطينيّة نسب أديب حسين أدواتها الفنيّة لتصقل لنا فنا أدبيا مميّزا.
الطّبيعة وعناصرها المختلفة كانت أداة ووسيلة استخدمتها الكاتبة؛ من أجل إيصال فكرتها. ناجت البحر والنّهر والموج والنوارس، وخاطبت السّحاب الأبيض والزّبد. خاطبت العصافير والأشجار الخضراء، وعبّاد الشّمس والشّمس المشعّة في السّماء. كان البحر ملجأ وملاذا للكاتبة نسب أديب حسين شكت له همّها وحزنها وألمها وألم شعب ضائع." البحر ليس فقط من ماء وأهازيج موج، البحر من يلملم حصى عمرك وأزاهيرها" ص52.
طفت لمحة الحزن على وجه بحرها ونهرها وسمائها " نحتفي عند طرف غابة صغيرة بوجودنا معا. وكان قربنا يغنّي نشيده. يخطف من قلوبنا ألحاننا الحزينة" ص 142. سيطرت فكرة الموت والفراق على نصوص الكاتبة نسب فجاءت عباراتها بلغة حزينة مؤثّرة في نفس القارئ، تسحبه معها إِلى عالم آخر بعيد جدا عن هذه الحياة.
عالم تلك الطّفلة – نسب- الّتي فقدت أباها في الغربة، فظلّ قلبها ووجدانها معلّقين هناك، غريبين تنكرهما الأشياء مثل النّهر والبحر و... الّتي هي أدواتها الفنيّة كما ذكرت سابقا.
" أتأمّل ظلّه في جلسته على مقعد قريب وأُكرّر السّؤال: " لماذا تخلّى النّهر عنّي يا أبي؟" لغة الحلم والمناجاة شكّلت دورا، بل ونالت حيّزا في نصوص الكاتبة حسين. الحلم ونفسه تشكّل بشكل لولبي ليصنع لنا الهواجس، فأنت كقارئ تجد نفسك تعيش ما بين الحلم والواقع، يصعب عليك الرّسوخ عند أحدها. حلمت الكاتبة بالماضي الحاضر المؤلم والمستقبل المجهول." انطفأ سراج روحي سريعا،...أزيح وجهي لأنظر صوب النّهر وأوارب بدموعي عنه، تساءلت: أهذا هو قدرنا مع هذا الوطن؟" ص140.
في هواجسها شكّلت الكاتبة نسب أدب حسين فلسفة جديدة، تصل بالقارئ نحو الحكمة والتّأمّل: " حين يجد المرء نفسه ساقطا في قعر الكأس، فمن الجيّد أن يتسلّقه، ويجلس على حافّة وينظر إليه من فوق، فكلّما اختلف الموقع اختلفت الرؤية" ص140.
في نصوصها كتبت نسب عن الضّياع ص 73- 74. فأبدعت وجاء النّص معبّرا عن ذلك الضّياع؛ رغم أنّنا نشعر بأنّ حالة الضّياع النّفسي والعاطفي والجغرافي وضياع الهويّة بارزا في معظم النّصوص، وليس فقط تحت هذا العنوان بالذّات. فجاءت أحيانا مباشرة، وأحيانًا أُخرى رمزيّة " لماذا ألبستموني ثوب القداسة وبالنجوم رصّعتموه؟ ليست السّماء أرضي أو حدود الملكوت، هناك على الأرض بينكم هويّتي" ص75.
ضياع الوطن ودماره عبّرت عنه الكاتبة بصورة بسيطة وتلقائيّة " كان بقرب هذا البيت قد هُدم، ولم يتبقّ في هذا الجزء من المتنزّه سوى بيت وحيد معصوب العينين" ص114.
بكتت نسب أديب حسين الشّاعر عمّها الفقيد. كتبت له وعنه.عن حياته ومماته، وعن مشاعرها وحزنها لفقدان انسان تألّم من أجله كلّ عربي في هذا الوطن، شاعر ترك خلفه قصائد تردّد وتغنّىى كلّ يوم: " منصوب القامة أمشي مرفوع الهامة أمشي...في كفّي قصفة زيتون وعلى كتفي أمشي، وأنا أمشي ..." في بغتتها الحالمة وهواجسها مع الماء والزّبد أدخلت الكاتبة الكثير من الاستعارات الكنايات والمحسّنات البديعيّة، الّتي كان وجودها ضرورة؛ من أجل الوصول إِلى الهواجس الّتي أرادتها الكاتبة" وربّما تلك الموسيقى المهفهفة في روحي ليست سوى صدى شلّالات تتساقط عند مدخل المدينة" ص122.
إِنّ أهمّ ما يميّز نصوص الكاتبة في هواجس الماء...أُمنيات الزّبد هو لغتها الشّعريّة الّتي أضفت على النّصوص رائحة مميّزة تحمل هواء البحر والصّحراء معا.
وسوم: العدد 722