ليلة تسليم جلجامش لليهود؛ فضح مغالطات التناص بين الفكر العراقي القديم والفكر التوراتي (23)
# عودة إلى آراء د. متعب مناف :
أعود الآن – وبعد هذا الشوط الطويل الذي قطعناه مع التناصات المزعومة التي يقترحها ناجح – إلى رأي آخر للدكتور متعب مناف وهو يقدّم كتاب ناجح هذا حيث يقول :
(المعموري يجيد لعبة ولعنة التناص فهو بارع في إدخال نص على نص متنقلاً من كلكامش الى يوسف التوراتي ليظهر ثانية في تموز البابلي وأوزوريس المصري حاطاً عند يسوع الناصري . هذا هو الخط الذكوري المتدفق اشتهاءً ، فتوة غابوية يعوي داخلها ذئب نزوة جائع قبل أن يلدغه عربيد الرجولة ليعود كارهاً لكل هذا فيقطع واصل تواصله ليثبت أن الفحولة لا تبرز في إشباعها وبنهمها وإنما في تمزيق هذه الأردية الناعمة الثقيلة للكشف عن الفحولة العاملة التي تضحي بشبع الحاضر انتظاراً السمعة آجلاً .
هذه هي أسطورة أنبو وباتا او حكاية الأخوين كما صورت في الآداب الفرعونية.
وحكاية الأخوين التي قرأها ناجح المعموري جنسوياً تاريخياً في محاولة لتجسير الهوة بين احداهم (هكذا الكلمتان ملصوقتان) حضارتين قديمتين في شرقنا القريب – النيلية/الفرعونية من جهة وأحد أقدم الديانات الإبراهيمية – العبرية/ اليهودية – من جهة أخرى ، تأكيد على أن هذه الجهود (حضاراتية ديانية) إنما يعمل على تفكيك فهم الانسان ليكون انسانا. – ص 12 و13) (147).
ومن المؤسف أن نلاحظ – وبيسر – هذا التفكّك في اسلوب أستاذ وكاتب معروف مثل د. متعب مناف وكأننا لا نكتب بلغتنا الأم التي نعرف شروط الأداء فيها ومقوّماته . فكيف قام متعب ببناء هذه العبارة بعد رفع الجمل الإعتراضية ؟ :
(وحكاية الأخوين التي قرأها ناجح المعموري جنسوياً تاريخياً (...) تأكيد على أن هذه الجهود (حضاراتية ديانية) إنما يعمل على تفكيك فهم الانسان ليكون انساناً !!!!
وقبل ذلك بفقرتين قال متعب :
(والسؤال الملح وأنا أقرأ ما كتبه ناجح المعموري عن يوسف التوراتي معززاً مكانته كمرجعية لها مكانتها في مجال المعرفة – ص 12) (148).. ما هو السؤال الملح ؟ ثم هل تعوّدنا من متعب على صياغات ركيكة مثل (معززا مكانته كمرجعية لها مكانتها) ؟! وبعدها : (وبتقديري أن ناجح المعموري الأقدر (...) بعد أن تلبسته الأسطورة لتنطلق حية من رماد المعموري – ص 12) (149).. لماذا ليس (من رماده) ليكون التعبير أجزل وأدق ؟
العديد من الصياغات المترهلة أو الغير محكمة أو الضعيفة مثل : "أنه الأب الأبواني .." و"يمتلك عائليته قبل لأنه يحبهم" و ""وقد تقتربان الى حد التداخل أن لم يكن التماهي المح الى ذلك احد فان الفكر انجلز ضمنتها في بحثه الفذ" ؛ صياغات فاقمت من تأثيرها الأخطاء الطباعية الفاحشة .
ولو عدنا إلى العبارة الأولى لوجدنا أن وصف عملية التناص التي اضطلع بها ناجح المعموري في كتابه هذا – بل كتبه كلها – بأنها "لعبة" و"لعنة" هو وصف دقيق جدا . فقد تحوّلت هذه العملية على يدي ناجح إلى لعبة (لا تحكمها ضوابط ثابتة سوى المتعة الفائضة ومبدا اللذة السردية) ولعنة ، لأنها صارت نقمة تحلّ على نصوص أساطيرنا القديمة الباهرة المتحضّرة لتجعلها حضناً وتربة ترعرعت فيها ونمت أساطير وخرافات البداوة والوحشية . ويشارك متعب آراء ناجح في التناص بين حكاية الأخوين المصرية وقصة يوسف اليهودي التوراتية (لاحظ الفارق الإثني : مصري كهوية وطنية محدّدة لشعب معلوم ، ويهودي كهوية دينية لا توفر الأساس لشعب محدّد) . وبعد أن شرحنا حكاية الأخوين شرحاً تفصيلياً وافياً كما نعتقد واعتمادا على نصّها الأصلي ، نستطيع دحض وجهة نظر ناجح المعموري ومتعب مناف في "التناص" بينها وبين قصة يوسف التوراتي .
لقد أقام ناجح ومعه متعب فرضية التناص بين حكاية الأخوين وقصة يوسف على اساس أن الإثنين توفّر لهما أب بديل هو : أنبو الأخ الأكبر بالنسبة لباتا وفوطيفار خصي فرعون بالنسبة ليوسف ، وقعت زوجة أنبو في حب باتا ووقعت زليخة في حب يوسف ، باتا مكتمل الجسم وسيم وفائض القوة ، ويوسف جميل جدا ، باتا ويوسف رفضا الإغواء الأنثوي ، نجحت وشاية زوجة أنبو بباتا ، ووشاية زليخة بيوسف ، صار باتا وصيّاً على العرش ثم ملكا على مصر ، وصار يوسف وزيرا للفرعون . وهناك "تشابهات" أخر ذكرها ناجح على الصفحات 220 ، 221 ، 222، وهي في الحقيقة اختلافات ، وبعضها يصل إلى مستوى التناقضات وسنتوقف عندها بعد قليل .
وسوم: العدد 728