خريطة الشعر الإسلامي ( في المرحلة المكية )
1- النشأة والتكوين
كان المحور الرئيس والهدف المقصود، الذي دارت حوله آيات القرآن الكريم في المرحلة المكية، محور بناء العقيدة الإسلامية في النفوس، ودثر العقائد الجاهلية المنحرفة، وهذا هو حجر الأساس في بناء الإسلام الشامخ.
والتغيير المطلوب لا يأتي بإلقاء الأوامر، وإنما يبدأ بتغيير المعتقد، لأن السلوك البشري مبني على المعتقد، فإذا صلح المعتقد، صلح السلوك البشري تبعاً له، وعندها يسهل على النفوس التي استوعبت العقيدة أن تتلقى الأوامر والتشريعات الربانية بالرضى التسليم.
والباحث عن الشعر الإسلامي في هذه المرحلة التربوية، يجد انه لم يكن هدفاً مقصوداً عند المسلمين في تلك الفترة، بل كان الهدف المقصود والمحور المشهود هو بناء العقيدة وتعميق الإيمان في النفوس، أما ما يخص بناء المجتمع المسلم من تشريعات وسياسة وجهاد وعلم وثقافة وفن، فكله تأخر للمرحلة المدنية.
ولذلك كان الشاعر المسلم يمارس الشعر كوسيلة من وسائل التعبير العفوي عن ذاته، أثناء المعاناة وعندما يشعر بثقل الواقع، لشدة بطش الجاهلية، كحالة من حالات التفريغ، التي يكتسب بها نوعاً من أنواع التوازن النفسي المريح، أمام مرارة الواقع وعتو الجاهلية وغطرستها.
ومن خلال المراجعة السريعة للمصادر القديمة، يجد الباحث انه لم يصل إلينا من شعر الدعوة الإسلامية في تلك الحقبة إلاّ اقل القليل، وهذا القليل لا يبل ظمأ الباحث ولا يشفي غليله في البحث والتنقيب.
ومن الأسباب التي نرجع إليها قلة رواية الشعر الإسلامي في تلك الفترة من الزمن، هو حالة عدم الاستقرار والاضطهاد التي لحقت بالمسلمين، وكان من ثمارها خنق كلمتهم وملاحقة دعوتهم، ولهذا ضاع كثير من التاريخ الشعوري لمشاعر المسلمين لضياع ذلك الشعر؛ كما أَنَّ المنطق العلمي السليم يقول بان مشاعر الإنسان لا تنفصل عن تفكيره، والمسلمون في ذلك الوقت كانت قلوبهم في صدورهم، تحمل مشاعرهم وهمومهم، فأين ذهبت أشعارهم؟! وحيث أن مصادر العهد المكي لا تسجل إلا القليل منها، بعض الأبيات، وبعض المقطوعات التي لا تغطي الأحداث الكبرى: لقد ضاع شعرهم في أتون المرارة وسرية الدعوة، وشدة الحصار المضروب عليها.
كان الهدف من هذا أن نقول: إن الإرهاصات الأولى للشعر الإسلامي، بدأت في المرحلة المكية وفي فترة مبكرة منها واهم ما يتميز به شعر هذه المرحلة:
1- هو شعر تعبير عن الذات والمعاناة، يأتي عفو الخاطر وتحركه دوافع التفريغ والبحث عن التوازن والرغبة الداخلية في نقل الإحساس والمعاناة.
2- هو شعر غير موجه، ولا يدفعه القصد والعمد، ويستعمل قوالب الشعر العربي ومقاييسه وأوزانه، كما هو مألوف عند أهل الجاهلية، ولم يتدخل القرآن في توجيهه في المرحلة المكية وإنما تأخر توجيهه للمرحلة المدنية .
3- يعتبر هذا الشعر أول تجربة من تجارب شعر المقاومة في الأدب العربي بكل ما تحمله كلمة المقاومة من معانٍ وظلال.
2- مؤثرات المحيط الثقافي
1- وأول ما نشير إليه من مؤثرات المحيط الثقافي التي تركت أثرها على شعر المسلمين في هذه المرحلة، هو معركة القرآن الكريم مع مشركي العرب عندما تحداهم، واعترفوا بعجزهم أمام بلاغته، ورد شبهتهم التي حاولوا فيها أن يربطوا عقد مقارنة بين القرآن والشعر، فلفت نظرهم إلى استحالة المقارنة لاختلاف الاثنين في المصدر والغاية، وفي عزوف القرآن الكريم عن توجيه الشعر في تلك المرحلة، ما فهم منه المسلمون الأوائل الاستمرار في تجاربهم الشعرية والتعبير عن ذواتهم بعفوية تامة قائمة على المبادرة الفردية لكل من كان يملك الموهبة منهم.
2- الشاعر المسلم المكي عبر عن نفسه ومعاناته ضمن مقاييس البيان العربي السائد عند العرب في شعرهم، ولذلك فهو لا يخترع فناً جديداً وإنما يوظف فناً قديماً وعريقاً عند العرب ويطوعه في التعبير عن نفسه وعقيدته، لأنه لا يملك المقاييس الإسلامية الشرعية لذلك الفن في تلك المرحلة.
3- الشعر فن يقوم على التعبير عن مشاعر النفس ونواياها، وعندما تستقيم العقيدة تستقيم المشاعر والأهواء والنوايا، وهكذا كانت قدرة العقيدة الإسلامية في سيطرتها على قلوب أتباعها؛مما جعل الشعر الإسلامي انعكاساً للصفاء والنقاء الذي تعلمه الشاعر المسلم من مرحلة بناء العقيدة في النفوس في مكة.
4- التجديد لا يبدأ في أبنية الفن الشعري وأخيلته وأوزانه ومقاييسه، وإنما يبدأ التجديد في المضامين والمعاني وهذا ما فعله الشاعر المسلم حيث ادخل المعاني والمضامين والأفكار الإسلامية في أشعاره متأثراً بالمحور الرئيس للمرحلة المكية وهو البناء العقيدي.
3- التأريخ لمرحلة الشعر المكي (الشعر غير الموجه)
لا يختلف المؤرخون على بداية المرحلة المكية، فهي مرتبطة ببعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن اللبس والغموض قد يكتنف تحديد نهايتها وان اتفق المؤرخون على اعتبار الهجرة النبوية الشريفة هي نهاية هذه المرحلة وهو اتفاق لا غبار عليه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، إلى متى امتدت سمات المرحلة المكية وتأثيرها؟ وإلى أَي مدى بقيت هذه السمات بعد الهجرة الشريفة؟! وهو سؤال يدور حول المرحلة الانتقالية، التي تعتبر امتداداً للمرحلة المكية واستعداد للمرحلة الجديدة (المدنية ).
وفي ظننا أن الأمر الذي يساعد على تحديد ذلك هو علائم محددة لعل من أهمها، هو انتهاء المرحلة التعبيرية الحرة، وظهور الشعر الموجه، الذي طلب فيه الإسلام من الشعراء المسلمين التخلي عن كثير من الأمور الشعرية، أكثرها يخص المضامين والمعاني من جانب وبعضها يخص بنية الفن، وهذا الأمر لم يكن إلا بعد غزوة بدر، يوم انتصر المسلمون وعادت قريش تجر أذيال الخيبة، وتتجرع مرارة الهزيمة، وتبكي قتلاها، وعندها أخذت تحرض الشعراء على هجاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهجاء المسلمين، وتحول الفن الشعري إلى سلاح يخدم مصالحها، في حرب إعلامية ضروس، لتنفر القبائل عن الإسلام وتهون من شأن المسلمين، عندها بدأت عملية توجيه الشعر وتصويب مسيرة هذا الفن ووضع المقاييس الإسلامية والشرعية له لتوظيفه في خدمة الدعوة الإسلامية، بعد أَن يدرك الشعراء المسلمون ما يريده الإسلام من هذا الفن، وبهذا بدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشرف بنفسه على توجيه مسيرة هذا الفن، ويأخذ بيد الشعراء أمثال حسان وغيره، ثم تنزلت آيات الشعراء من (سورة الشعراء) لتضع الحكم النهائي في ضرورة توجيه هذا الفن لخدمة الإسلام.
وعلى هذا الاعتبار تعتبر بعض النصوص التي قيلت على ارض المدينة قبل غزوة بدر تابعة لشعر المرحلة المكية، لأن الحد الفاصل بين الشعر المكي التعبيري والمدني الموجه بتوجيه الفن الإسلامي الشمولي هو غزوة بدر، ومن هذه النصوص المدنية المولد، المكية المرحلة، التعبيرية والطابع، نشيد الإسلام المشهور (طلع البدر علينا)(3). وحنين بلال رضي الله عنه إلى مكة (ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة) وقصيدة (الهجرة)للشاعر الكفيف أبي احمد بن جحش شقيق أم المؤمنين زينب.
4- اشهر شعراء المرحلة المكية
وفي هذا الجدول اشهر شعراء المرحلة ومطالع القصائد مع تحديد موضوع القصيدة او عنوانها
1- ذباب السعدي: عنوان قصيدته (صنم محطم).
2- الطفيل بن عمرو الدوسي: عنوان قصيدته (انتقام وحرق صنم).
3- العباس بن مرداس السلمي: (أمنت بالله).
4- عسكلان الحميري: (اسلام غائب).
5- قيس بن نشبه (تابعت دين محمد).
6- حمزة بن عبد المطلب (آيات بينات).
7- النوفل بن الحارث بن عبد المطلب (براءة).
عمار بن ياسر: (صبر على تعذيب).