خاتمة كتاب في نظرية الشعر الإسلامي (الضرورات والتحديات)
وبعد أن عالجنا كثيراً من قضايا " المنهج والتطبيق " فيما سبق من هذه المقدمة، نجد أنه لابد أن نعرج في نهاية المطاف على بعض الضرورات والتحديات، التي توجب على دعاة الأدب الإسلامي، ضرورة التصدي لها، سداً لحاجات التنظير الإسلامي في الأدب، في خضم الصراع الفكري والحضاري.
فهي بحاجة إلى جهد كبير من الفقيه الأدبي لجلاء مفهوماتها، وإيضاح حقائقها وحدودها، وذلك لما لها من عظيم أثر في حل قضايا الأدب الإسلامي، أثناء محاكمة الإبداع وتفسيره، مع ضرورة التأصيل الشرعي والأدبي لهذه الأمور.
ومن الأمور التي أحب أن أشير إليها على سبيل التذكير بها لبيان أهميتها ما يلي:
1 - الوضوح والإيصال، هو غاية البيان، وهذا يفرض على الفنية الإسلامية في الأدب، أن يكون هدفها التبليغ، والتبليغ ينافي الغموض، لأن الغموض يقتل غايات الأدب ويضعف تأثيره.
2 - يجب أن نفرق بين " طبيعة الأدب " التي تقوم على الفنية، وتميز الأدب من غيره من العلوم والفنون، و" وظيفة الأدب " التي تقوم على توظيف تأثيره في خدمة قيم الدين أو الأخلاق.
وكلاهما في الإسلام أصل شرعي، لا يمكن التهاون فيه على حساب الآخر، لأن التهاون في مواصفات " طبيعة الأدب " معناه الخروج من الأدب نفسه، لأنك تتنازل عن الفنية والصنعة والتميز وهذا يعني التفريط في الإتقان (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).
والتفريط في الإتقان يؤدي إلى الاعتراف بالأدب الضعيف وعندها يصبح ضعيف التأثير، وبهذا يعجز عن القيام بوظيفته.
والتهاون في الأصل الثاني (وظيفة الأدب) معناه الخروج من الإسلام نفسه، وفصل الأدب عن الأخلاق، وهو أمر مرفوض شرعاًً، لأنه يعني فصل الدين عن الأدب أو (العلمانية الأدبية)
لا يمكن الفصل بين طبيعة الأدب ووظيفته، الجودة والإتقان تضمن التأثير والتأثير معناه القيام بمهام الوظيفة خير قيام.
3 - الخيال الإسلامي
الصورة الفنية تخضع للعقيدة، لأن الأمم تستمد خيالها من عقائدها، ونقاء الخيال من ضرورات محافظة الأمم على نفسها من الاختلاط والمسخ، والفنيات الأدبية لا تتكون بمعزل عن تصور الأمم وعقائدها، فخيال الأمة الإسلامية يرجع في أصوله إلى تفسيرها للكون والحياة والإنسان، والذي أخذته من عقيدتها.
ولذلك فهو مخالف للخيال " الوثني " أو الخيال " النصراني " لاختلاف العقائد والمصادر.
والخيال الإسلامي خيال ممتد بحدود التصور الإسلامي ثم تختزن هذه الخبرات في الذاكرة، لتصبح مرجعاً ومنهجاً يستشار ويقاس عليه في القضايا الفكرية والثقافية وبعدها تأتي قضية الإخراج الفني والجمالي للتجربة الشعورية القلبية من قبل الخيال، فيستفيد الخيال من مجموعة الخبرات المتواجدة لديه في الذاكرة، ويحتكم الخيال في الإخراج الفني للقصيدة في لحظات ميلادها، أثناء عملية الصياغة والأداء الفني للتجربة الأدبية إلى ثلاثة مقاييس هي:
1 - المعقولية: وهو مقياس يقوم على مناسبة المقال للحال في البناء الفني.
2 - الجمال: أن يكون البناء الفني قائماً على معيار الجمال والتناسب والتناسق الذي ينقل الصدق الشعوري والفني والواقعي ويوصلها بطريقة جميلة محببة مؤثرة.
3 - نقل التوتر: ويعتمد هذا المقياس على دقة نقل التجربة الشعورية، وحالة التوتر التي يعيشها الجهاز العصبي من خلال رسم القمة والقاع، وهو ما نسميه موسيقى الشعر والأصل في هذه الموسيقى هو حالة التوتر التي يعيشها الجهاز العصبي أثناء ميلاد التجربة الشعورية، وحيث تتولى الأوزان العروضية تسجيل حالة التوتر. ومع الزمن تذهب التجربة الشعورية عند الشاعر وتوترها، وتبقى موسيقى القصيدة مخلدة لتلك التجربة وتوترها على مر القرون ويستطيع القارئ بعد قرون أن يقرأ القصيدة فيستعيد التجربة والتوتر الذي رافقها، فيشارك الشاعر ويتعاطف مع تجربته رغم تباعد الزمان والمكان بينهما.
4 - وكذلك يجب على الفقيه الأدبي التوسع في قضايا: أهمية الأدب في بناء وجدان الأمة، والعلاقة بين الأديب والناقد ومبررات الدعوة للأدب الإسلامي، وتفسير الظاهرة الأدبية وتعريفها، هذه بعض القضايا نذكرها على سبيل التمثيل وليس على سبيل الحصر، لإثارة الاهتمام بها عند فقهاء الأدب الإسلامي.
5- عالج هذا الكتاب (مقدمة في نظرية الشعر الإسلامي ) الوثائق الثلاث ( وثيقة القرآن الكريم ، وثيقة السنة النبوية الشريفة من أحاديث الشعر ، وثيقة النماذج الإبداعية التي أنتجها نماذج من شعراء الصحابة ) ونحن لا ندّعي أننا أشبعنا البحث في هذه الوثائق بل طرحنا المنهجية التي يجب إتباعها في التنظير الأدبي الإسلامي , ثم نذكر الباحثين بأهمية متابعة البحث في الوثيقتين الرابعة ( وثيقة إستمرارية تأثير الإسلام في عصور الأدب العربي والأداب الإسلامية الأخرى ) والخامسة ( وثيقة تعبير الأديب المسلم عن طموحاته في الحاضر والمستقبل بخصوص نظرية الأدب الإسلامي واستخراجها من مصادرها التي تؤكد إسلاميتها في المنهج )
والله من وراء القصد
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وسوم: العدد 743