فَذْلَكاتٌ لُغَويةٌ سياسيّة (1)

(من وَحْي الواقع البعيد عن منهج الله عزّ وجلّ)

 (لو قلّبنا النظر في لغتنا العربية، لوجدناها قد شملت

كلّ المفاهيم والمصطلحات، لكن بالنسبة للسياسة،

 فاللغة تغوص في عَمِيق أعماقها.. أي في الصميم).

 

فَذْلَكَةُ الأَلِف:

(أَخَذَ) وأخواتها!..

 

أخَّرَ، أَمِنَ ، أنَسَ، أفَلَ، آهَ، أكَلَ

(أَخَذَ) تعني: حَازَ الشيءَ وحَصَّلَهُ، وقد ورد في محكم التنـزيل: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا..) (التوبة: من الآية 103).. وقد طوَّر الجهابذة الحاليون –افتراءً- هذا المعنى، ليواكبوا العصر الذي نحن فيه، فإذا ما أرادوا (تطهير) زَيْدٍ من الناس.. فإنهم -ليطهّروه- يأخذون مالَه كلَّه وليس بعضَه، ومالَ جيرانه، وجيران جيرانه!.. وبعد أن تكتمل عملية التطهير الماليّ والنفسيّ، يُطهِّرون الأرضَ منه، وهي عملية التطهير الجسديّ!..

لكن، للحق والحقيقة نقول: إنَّ عملية التطهير الأخيرة -أي الجسديّ- قد تتأخَّر، لتوافق فعل (أخَّر) أي: جعل الشيءَ بعد ميعاده، وهو فعل من أخوات (أَخَذَ)!.. فالأخْذُ ربما يتم على مراحل متدرّجةٍ عدّة، فمثلاً: قد يأخذون برأسه أولاً، أي: يُمسكون به، وهذا المعنى ورد في كتاب الله العظيم: (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) (لأعراف: من الآية 150)، وبعد ذلك يقرّرون معاقبته، بطريقةٍ حضاريةٍ قانونيةٍ دستورية، من خلال محكمةٍ عسكريةٍ ميدانيةٍ، غير مسموحٍ لها أن تُصدِر حُكمَها، إلا خلال أقل من دقيقةٍ زمنيةٍ واحدة!.. وقد ورد هذا المعنى أيضاً في محكم التنـزيل: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102)، أي: عاقَبَها!..

وإذا كان ذلك (المأخوذ) أي: المعاقَب.. ذا حظٍّ عظيم، فقد يَكتفي (الآخِذُ) أي: المعاقِب، بحكم الحبس عليه، وهو أحد معاني (أَخَذَ) أي: حَبَسَ، وقد ورد في القرآن الكريم قوله عزّ وجلّ: (فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف: من الآية 78)، أي: احبسه مكانَ أخيه!.. وقد استُخدم هذا المبدأ بتصرّفٍ على غير وجهه الحقيقيّ في زماننا، فأصبح الآخِذ لا يتوانى عن (أخْذِ) أي: حبْسِ، كل من له صلة (بالمأخوذ) وليس أخاه فحسب، كأبيه وأمه وزوجته وأولاده وبناته وثلاثة أرباع أقاربه وعشيرته، وزملائه وأقرانه!.. لأنَّ (الآخِذ) الرسميّ في الوطن هو (الأمين) أي: الحافظ الحارس، على أمْن الوطن، فإذا ما (أَمِنَ) الناس كلهم، أي: اطمأنوا ولم يخافوا، فإنهم سيصبحون بين ثنايا فعل (أَنَسَ)، وهو من أخوات (أَخَذَ) أيضاً!.. فعندما يتم الأَخْذُ بمعنى التطهير، أي تطهير الوطن من تسعين بالمئة من أبريائه، فإنّ الباقين يأنسون إلى الآخِذِ، امتثالاً لفعل (أَنَسَ) أي: سَكَنَ إليه وذَهَبَت به وَحشته.. وذلك بعد أن (أَفَلَ) أي: غاب، التسعون بالمئة من أبناء الوطن!.. و(أَفَلَ) أو غابَ.. من أخوات (أَخَذَ)، وقد يكون المعنى معنوياً، أي: غاب عن التأثير والتأثّر، نظراً لاتساع رقعة الحرية في الوطن!.. أو يكون المعنى مادياً محسوساً أي: غابَ عن الأنظار، والغياب قد يكون فوق الأرض أو تحتها، ومن الممكن أن يكونَ بين الجدران أو وراء القضبان، أو وراء حدود الوطن، أو وراء ما وراءها!.. وذلك بهدف الاختلاط بـ (الأنام)، وهم كل ما على الأرض من الخَلْقِ، إذ يستمتع المرء بسعادة الغربة عن الوطن، ويظفر بنعيم المهجر، وخصائص الهجرة القسرية!..

بذلك، ينقسم الناس إلى فئاتٍ عدّة: فئة (أَخَذَ)، وفئة (أَفَلَ)، وفئة (أَمِنَ) و(أَنسَ).. وفئتين أخريين لن نتوقّف عندهما طويلاً، هما: فئة (آهَ) أي: قال آهِ من التأوّه، وفئة (أَكَلَ)، أي: مَضَغَ وبَلَعَ!.. وآهِ، كانت تُقال قديماً بسبب حُزنٍ أو ألمٍ أو ما شابه.. لكن في زماننا، فإنّ (آهِ)، لا تُقال إلا عندما تكثر المسرّات والإنجازات، وتعظم البطولات، وتتفتّق العبقريات!.. وكل هذه الأمور من نِعَمِ الله عزّ وجلّ، التي أنعمَ بها على الآخِذِ المذكور آنفاً، وعلى أمثاله من طبقة الـ (أَرِسْتُقراطية)، وهي الحكومة التي تمثل -على ذمّة معاجم اللغة- الأقلية الممتازة.. وبما أنّ الأقليات كلها في كثيرٍ من أوطان العرب والمسلمين.. ممتازة!.. والحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروهٍ سواه.. فإنّ الشعوبَ بأكثريّتها الساحقة الماحقة.. تعشقها، وتنتخبها، وتصطفيها من بين كل خَلْق الله، لتقودَ حركة تقدّم هذه الشعوب، وتطوّرها وتفوّقها وازدهارها وتحريرها!..

أما عملية الاختيار أو الاصطفاء تلك، فلا تحصل، إلا بعد أن تأكلَ الأكثرية الكاثرة المذكورة.. ذُلَّها وهوانَها، وكذلك ألسِنَتَها، امتثالاً لفعل (أَكَلَ)، أي: مَضَغَ وبَلَعَ!..

والبلع يختلف -طبعاً- بين الآخِذ والمأخوذ.. فالآخِذُ ينتمي إلى الفئة التي تُحقِّق الأساطير، و(أسطورة) هي الخرافة أو الحكاية التي ليس لها أصل، إذ يُقال مثلاً: أسطورة الديمقراطية، وأسطورة التوازن الاستراتيجيّ، وأسطورة الخيار الاستراتيجيّ، وأسطورة التحرير، وأسطورة الانفتاح السياسيّ، وأسطورة الحلّ السياسيّ، وأسطورة انتصار نظام الحُكْمِ على شعبه.. إلى آخر قائمة الأساطير التي يُعايشها الإنسان العربيّ والمسلم!.. لكنَّ الآخِذَ، قد تمرّ عليه ظروف صعبة يصبح فيها (أرنباً)، وهي الحالة الناجمة بالضرورة عن وَعْيِ المأخوذ.. وعندئذٍ، ربما لا يجد الأرنب لنفسه مكاناً يتخفّى فيه من غَضْبَة المأخوذ، وبخاصةٍ، حين يتبرّأ منه (أي من الآخِذِ) رفيقُ دربه: إبليس اللعين، أكان هذا الإبليس روسياً، أم إيرانياً صفوياً، أم أميركياً مُنافقاً خبيثاً!.. و(إبليس)، هو رأس الشياطين، وجَمْعُها: (أباليس) و(أبالِسَة)، والآخِذ عادةً وداعموه، هم الشكل البشريّ المنتمي إلى فئة الأبالِسة أو الأباليس، التي أصبحت تضم شياطين الإنْسِ، فضلاً عن شياطين الجِنّ!..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الفَذْلَكَةُ -كما ورد في المعجم الوسيط- هي: [مُجْمَلُ ما فُصِّلَ وخُلاصَتُهُ]، وهي لفظة محدَثة.

وسوم: العدد 752