الدكتور عدنان عرفه أنت السابق ونحن اللاحقون
كم من أخٍ لي صالحٍ – بـــوّأتـه بيديّ لحـدا
ما إن جزعتُ ولا هلعت ولا يــردّ بكاي زنـدا
ذهب الذين أحبّهم - وبقيتُ مثـل السّيف فردا.
وفاة الدّكتور عدنان عرفة يوم 15 أكتوبر 2018 خبر مفجع لكلّ من عرفوه، لكنّ فجيعتي به كبيرة جدّا، أنا الذي عرفته منذ حوالي نصف قرن عندما رقدت في مستشفى "الهوسبيس" الحكوميّ عام 1968، عرفته هو والدّكتور المرحوم عنان القدّومي الذي اختطفه الموت وهو في عزّ الشّباب والعطاء، عرفتهما من خلال رعايتهما الفائقة لنزلاء المستشفى الذي أغلقه المحتلون عام 1981.
لكنّ معرفتي بالدّكتور عرفة توطّدت منذ بدايات ثمانينات القرن الماضي، وترسّخت هذه الصّداقة عام 1996 عندما خضت وإيّاه انتخابات المجلس التّشريعيّ الفلسطينيّ في قائمة واحدة، ومع أنّنا خسرنا الفوز في تلك الانتخابات إلا أنّ صداقتنا ازدادت قوّة، بحيث أنّني كنت أشعر بالخسارة إذا حالت الظروف بين لقائنا ولو مرّة واحدة في الأسبوع، مع أنّه مرّت سنوات كنّا نلتقي فيها بشكل شبه يوميّ، نضحك ونتسامر ونتحدّث في مواضيع شتّى، فلمست بالتّجربة في هذا الصّديق الإنسان الوفاء، النّقاء، الصّدق، خفّة الدّم، الطّيبة، الكرم. لكنّ أكثر ما لفت انتباهي في هذا الطّبيب إنسانيّته وهو يشغل منصب المدير الطبّي "لمركز القدس الطّبّي"، الذي كان له اليد الطولى في تأسيسه بعد اغلاق مستشفى "الهوسبيس"، واتّخذ مقرّا له في شارع سليمان بين بابي العمود والسّاهرة، ومن محاسن الصّدف أنّ الصّديق أحمد سرور قد شغل المدير الإداريّ لذلك المركز. وعندما أغلق المحتلّون مدينة القدس في أواخر شهر آذار –مارس-1993 أمام أبناء شعبها ممّن لا يحملون البطاقة المقدسيّة حسب التّقسيمات الإداريّة للمحتلين، عمل الدّكتور عرفة على افتتاح فرع للمركز في بلدة العيزريّة المجاورة، لمواصلة تقديم الخدمات الطّبّيّة لمن يحتاجونها من أبناء المنطقة، ولا يزال المركز بفرعيه يعمل حتّى يومنا هذا.
والدّكتور الرّاحل عدنان أبو عرفة لم يدّخر جهدا في تطوير ذلك المركز وتزويده بأحدث الأجهزة الطّبّيّة، ويحرص على أن يعمل في المركز أطبّاء مختصّون أكفّاء.
وقد كنت شاهدا على مدى حرص الدّكتور عرفة على رعاية المرضى المحتاجين، من حيث مواساتهم وتخفيف آلامهم وطمأنتهم على وضعهم الصّحّيّ، وحتّى تقديم الأدوية المجّانية التي كان يحصل عليها كنماذج من موزّعي الأدوية وتجّارها للمرضى الفقراء والمحتاجين.
والدّكتور أبو عرفة لم يكن بعيدا عن الهمّ الوطنيّ، وكان له دور فاعل في التّصدي للاحتلال، حتّى أنّه كانت تربطه علاقة مميّزة مع الرّئيس الرّمز الرّاحل ياسر عرفات.
وبوفاة هذا الطّبيب الانسان فإنّنا نفتقد طبيبا متميّزا وإنسانا قلّ أمثاله، ولن يفتقده ذووه فقط، بل سيفتقده كلّ من عرفوه، فإلى جنّات الخلود يا أبا هيثم، فأنت السّابق ونحن اللاحقون.
وسوم: العدد 794