تكريم الأديب محمد الحسناوي
في رابطة الأدب الإسلامي العالمية
محمد الحسناوي
رحمه اللهمساء يوم السبت 6/12/2003م أقام فرع رابطة الأدب الإسلامي في عمان – الأردن احتفالاً تكريمياً للأديب السوري محمد الحسناوي، وذلك على عادتها في تقدير الأدباء الذين قدموا عطاء متميزاً في ميدان الأدب الإسلامي، وكان المتحدث الأول الدكتور عودة أبو عودة، فتناول الأنواع الأدبية التي أسهم فيها الحسناوي من شعر وقصة ودراسات أدبية وشعر للأطفال، بعد بسط مجمل لحياة الحسناوي منذ ولادته في جسر الشغور 1938م، وتخرجه في كليه الآداب بالإجازة ومن كلية التربية من جامعة دمشق، وبالماجستير من كلية الآداب في الجامعة اللبنانية، وإدارته لمجلة حضارة الإسلام مدة عام كامل، وعمله مدرساً لمادة اللغة العربية طوال 18 عاماً، واضطراره لمغادرة سورية في الثمانينيات، والعيش في المنفى حتى اليوم.
وقد أسهم في هذا التكريم عدد من الأدباء، مثل الدكتور عماد الدين خليل، الذي توقف عند مزية الحسناوي إنساناً أنه من النوع الذي توحدت لديه الكلمة والسلوك، وقدم الأديب القاص نعيم الغول قصة بعنوان (قينة) بالمناسبة مهداة للحسناوي، تعبر عن شوق المغترب إلى وطنه كما تكلم الأستاذ طعمة عبد الله طعمة (وهو أحد طلاب الحسناوي) عن ذكرياته عام 1965م لما دخل على صفهم مدرس اللغة العربية الجديد، فأحبوه وأحبوا مادة العربية ورسالته الإسلامية التي يحملها، حتى هاجروا معه كما هاجر، ولفت النظر الأستاذ نجدت لاطة حول ظاهرة تعدد اهتمامات الأديب بالأجناس الأدبية، وهل هي خاصة بالإسلاميين؟ وأوضح الدكتور مأمون جرار (رئيس فرع رابطة الأدب الإسلامي) المغزى من احتفال التكريم بأديب من الأدباء، وهو إتاحة الفرصة للإقتراب أكثر من حياة هذا الأديب والتوسع في معرفة إنتاجه ودوره في الحياة والأدب، ثم سلم المحتفى به هدية بالمناسبة وهي (درع) الرابطة كما ألقى الأديب الحسناوي كلمة بالمناسبة، ننشرها فيما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الدكتور مأمون جرار رئيس فرع رابطة الأدب الإسلامي المكرم.
الإخوة أعضاء الهيئة الإدارية واللجنة الثقافية الكرام.
الإخوة الأعضاء الأعزاء
أيها الحفل الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فإنه لحدث جلل بالنسبة إلى طائر مثلي، مشرد عن عشه ووطنه، مفزع في نفسه وفي أهله، غير آمن في سربه، محجور على تغريده... أن ينعم ويكرم!
وما مثلي إلا مثل أخي الأديب الأسير الأستاذ إبراهيم عاصي، الذي اختتطفته الأيدي في ليلة سوداء، وأطبقت على صوته الصداح، فلم نسمع له صدى منذ ربع قرن ونيف، لكن قدرة الله التي لا حد لها، وحكمته البالغة، كتبتا لي النجاة من بين فكي الحوت، كما كتبتا لي أن أستظل بشجرة من يقطين، فأتنفس بالهواء النقي، وأشيم شمس الضحى، وأن أنجب البنات والبنين، وأنتقل بين الأصقاع مشرقاً ومغرباً، وأن أنشر عدداً من الكتب والمؤلفات، وأن أقف بين أيديكم بعد هذا الزمن المقتطع اقتطاعاً معززاً مكرماً، وأنا الحي الميت!
إنه حقاً لأمر عجاب!
لقد أكرمني الله عز وجل، إذ لقيت في حياتي ما هو أعجب وأغرب، وليس المقام مقام تعداد العجائب، إنما هو مقام التحدث بنعمة الله، فله الحمد أولاً، وله الحمد آخراً، وله الحمد يوم يقوم الحساب.
أيها الإخوة الأحباب:
إن مما يسليني ويعزيني أن الذين يمكرون بي ليسوا هم كرام أهلي وعشيرتي، وأنتم أهلي وعشيرتي.
إذا رضيت عني كرام عشيرتي فلا زال غضباناً علي لئامها
وإن مما يسليني ويعزيني أيضاً، أنني أتعلم الاحتساب لله تعالى، فلا أرجو من غيره جزاء ولا شكوراً، حاشاه، وهو المتفضل علي بنعمة الحياة وبالسلامة والهداية، وبكل سطر كتبته أو قصيد أنشدته.
كانت لي تجربة مع القرآن الكريم، حين عملت في تأليف كتابي (الفاصلة في القرآن)، وهو أحب مؤلفاتي إلى نفسي، فأحسست بعناية الله وتوفيقه لي في أثناء التأليف إحساساً واضحاً، فسعدت واستمتعت، وأنجزت ما كان يصعب علي إنجازه في ظروف صعبة، ولكن وددت أن أهب بقية حياتي للدراسات القرآنية، كما وددت لو صرفت أيام حياتي كلها لشؤون الأدب وحدها. إنني لست نادماً على خياراتي الماضية، ولا أستطيع التحكم بخياراتي القادمة، فقد كتب علي الاشتغال بالهم العام، مع اشتغالي بهموم الأدب، ضربة لازب. وقد عبرت عن هذه المعاناة في قصيدة لي مذ أربعين عاماً، واسمحوا لي أن أعيدها على أسماعكم:
يا هموم الحياة فكي إساري
واتركيني لحومتي ونفاري
اتركيني لواغل غدار
أحرق الدار واصطلى بالنار
اتركيني لقاعد مهذار
أطربته معازف التيار
اتركيني لسالكين استعاروا أعين البوم أو قلوب الفار
اتركيني، فما لخلع العذار
أتصبّى، ولا لكرع العقار
أنا لو تسبرين غور قراري
أو تشيمين بارقاً من ثاري
لفككت الإِسار بعد الإسار
وطلبت النجاة قبل البوار
رب غيظ وأدته يتلظى من فضول تعلقت بإزاري
أنا كالنسر أرقب الجرذ تلهو بفراخي، تعض من أظفاري
تبتني جحرها بمفرق رأسي وتذود الهواء عن منقاري
أطمعتها سكينتي ووقاري فاستحمت بدمعي المدرار
أتلفت ما ابتنيته من فخار
ورمتني بأخبث الأوزار
زينت لي الحياة خفض جناح للثعابين، للذئاب الضواري
تستبيح العرين بيضاً وحمراً واللئيم، اللئيم حامي الذمار
وأخ سادر يعد الدراري
في عيون المها، وحبّ النّضار
خلبته بهارج الأنوار
عن سراب المنى وراء الخمار
أشرع السور للضيوف ألوفاً كرماً سابغاً، وحسن جوار
ورفوف العلوم أمست دفوفاً أين منها عرائس الأفكار!
رقصت أخته، وطاف ينسوه بشراب مصفق بالعار
لو بكى سيف (خالد) أو (صلاح) أخرسوه بضجة المزمار
فغدا السور يلفظ الجرذ خزياً بعد حفز الأباة والأبرار
يا هموم الحياة شدّي إساري
لست أرجو ولا عليك انتصاري
إن قلباً سما إلى الجبّار
لمطيح بغارة الأقدار
أيها الأخوة والأخوات
أيها الحفل الكريم:
لقد ذقت من نعيم الحياة ومرارتها الشيء الكثير، حتى لم يعد لي ما آمله منها أو فيها، وقد استوى عندي كل ما فيها فلا نعمة دامت ولا شقوة طالت، وكل ما يشغلني أن أكون أخلصت لله تعالى عملي، فلا يضيع منه شيء، ومن كان يحبني، أو يريد لي خيراً أسأله أن يدعو لي في ظهر الغيب أن يتقبل الله عملي، وأن يغسلني بماء عفوه وكرمه من النفاق والشقاق وسوء الأخلاق، ((هو أهل التقوى والمغفرة)).
عمان 6/12/2003