الشاعر المبدع سليم عبد القادر
الشاعر المبدع سليم عبد القادر
سليم زنجير
عابدة فضيل المؤيد العظم أصابت مصيبة الموت ثلاثة من الأحبة
خلال ثلاثة أيام، وكان أشدها ألماً وفاة الأخ سليم زنجير. وفاته أنستني الآخرين، وفتحت لي بوابة
السنين لأطل منها على الماضي الجميل، فهذا الرجل الكريم رافق جدي علي الطنطاوي في
آخر حياته فارتبط اسمه باسمه في ذهني، ودعوني أكتب لكم بعض الذكريات: كان أحبّ شيء إلى جدي في السنوات
الأخيرة من عمره أن يَكثر الناس من حوله، ثم يتحدثوا شتى الأحاديث ليخلص من وحدته
ويتسلى، فصار يتناوب على زيارته الأحباب والأصدقاء. وذات يوم سمعت عن أخوين كريمين قاما
بزيارته فسُر بهما وأحب حديثما، وتكررت الزيارات وتكرر ثناء جدي عليهما والامتنان
لصنيعهما، وصار يتصل بهما في كل وقت فلا يتذمران ولا يتضايقان، ويدعوهما لزيارته
فيأتيان ويناديهما بأسمائهما مسبوقة بيا ابني، حتى اشتهيت لقاءهما والتعرف إليهما،
وعرفت أنهما: الأستاذ المرحوم سليم زنجير، والأستاذ عبد عبد الله حفظه الله وأدامه،
(وكان يرافقهما أحياناً الأخ مجد مكي) . وبقيا على الود والوفاء والعطاء حتى توفي
جدي. ويسر الله لي رؤية أحدهما الأستاذ عبد
الله، وأنا خارجة من بيت جدي، فتشرفت به، ويسر الله لي التعرف على الأخ سليم بعدها
بمدة لما احتاجت والدتي إلى مساعدة بسيطة فتطوع للقيام بها وكانت فرصة لأجتمع به،
وكان لوالدتي خير معين وكان أخاً كريماً ومتعاوناً ومتواضعاً. ومرت الأيام فظهرت الخوافي وبرزت
المخبآت، فإذا بالأستاذ سليم شاعر من ذوي البلاغة والبيان سرت أشعاره كما تسري أشعة
الفجر الأولى في ظلمة الليل، وإذا هو صاحب الأناشيد التي رافقتي في غربتي وآنست
وحشة أخواتي لما هاجرنا من دمشق. وإذا هو من الثلاثة الذين سُجنوا في الثمانينات،
وكانت لخروجهم من السجن قصة طويلة ومغامرة رهيبة. وتعرفت إلى زوجته تلك الإنسانة
الرائعة الوفية، وأهدتني شيئاً من شعره فشعرت برقة العاطفة ورهافة الحس وجمال
الأسلوب وقوة الكلمة، وعرفت منها أنه من الذين يقولون ما يفعلون، فازداد ارتفاعاً
في نظري، وازددت تقديراً واحتراماً له، وكثير ممن نعرف من الناس يقولون بألسنتهم ما
تخالفه أفعالهم، ويعلنون في الملأ ما لا يأتونه في الخلوات، وتغلب عليهم طبائع
نفوسهم. ولما بدأت الثورة كان من جنودها
المخلصين وساهم فيها بصمت وثبات وهدوء. * * * سمعت من أشهر عن مرضه فلم أقدر أنها
النهاية وتفاءلت بالخير، ومن يومين سمعت الناعي في الهاتف يقولي لي إن الشاعر مات،
فما صدقت، وحسبتها غلطة، وما ظننت أن المنية بهذا القرب، وغدوت أسأل فإذا الخبر
صحيح. وفاته روّعت قلوبَنا وآلمتها، وانطلقت
الأقلام تنعاه وتشيد بأعماله وصفاته. وإن الأستاذ سليم مات ودُفن كما يموت
سائر الناس ويُدفَنون، ولكنه بقي معنا بأشعاره وكلماته وعمله وعطائه، فهنئاً له،
والصبر والسلوان لزوجته الحبيبة الغالية ولأهله أجمعين.