استعجلت الرحيل يا أبا إياس
استعجلت الرحيل يا أبا إياس ..!
شاكر فريد حسن
هوى ،هذا الاسبوع، وتد آخر من اوتاد الخيمة المصمصية واعمدتها الاساسية وأفل كوكب من كواكبها الساطعة المضيئة ، هو الاستاذ والمربي والشخصية الاجتماعية المعروفة والمحبوبة ، مدير مدرسة الغزالي(ام الفحم) السابق، علي فارس اغبارية (ابو اياس) الذي اختطفته يد المنون سريعاً كالبرق ، بعد معاناة مع المرض اللعين الفتاك ، مرض العصر الذي ينهش الجسد ، ولم يمهله طويلاً.
وما ابشع الموت الذي يتصيد اعز الناس وخيرة الرجال في وقت احوج ما نكون اليهم. وكم نحن بحاجة الى امثال راحلنا الغالي (ابو اياس) الذي لم يكن ذلك الانسان العادي ، بل كان انساناً اجتماعياً فعالاً ترك بصمة في المجتمع واثراً طيباً في قلوب ونفوس اهل بلده واحبائه واصدقائه، الذين بكوه وودعوه بالعبرات والحسرات والآهات والدموع وشيعوه الى مثواه الأخير بموكب جنائزي مهيب يليق به وبمكانته الاجتماعية والتربوية.
فأبو اياس اخ عزيز وغالي علينا جميعاً لم تلده امهاتنا ، كان جمل المحامل في زمن عز فيه الرجال، ومن اصحاب المواقف والمبادئ النبيلة ، احب بلده وناسها الطيبين حتى الثمالة ، وكان يجدل لمصمص ضفائرها ويهدي لها اجمل كلمات الحب والوفاء . وقد حمل الكلمة والمعرفة للاجيال الشبابية الجديدة ورباها على الخير والطيبة والدماثة والعطاء ، وعلمها كيف تحب بعضها البعض ، وكيف تبني مستقبلها الواعد بعيداً عن اي تزمت وتعصب وضغينة وحقد وكراهية .
عرفناك يا ابا اياس انساناً خلوقاً هادئاً متسامحاً متواضعاً صبوراً قنوعاً كريم النفس ، راضياً مؤمناً باللـه بقضائه وقدره، وكنت على علاقة حميمة مع الجميع وقدوة للآخرين .
وكنت اباً حنوناً وأخاً رؤوفاً وصديقاً ودوداً ، ونعم الاخ والصديق والخل الوفي والزوج المخلص المتفاني في سبيل سعادة ابنائه واهل بيته.
وكنت مثالاً في الكرم الحاتمي والمروءة والوفاء والعطاء والعطف والحنان والواجب الانساني ، وصاحب قلب دافئ حنون واحساس نقي صادق عفوي شفاف ورهيف تدمع عينك كالطفل امام كل حدث مؤثر.
لم تتخلف يوماً عن مناسبة اجتماعية ، او عيادة مريض تخفف عنه الامه . وكنا نجدك ونراك في كل محفل وكل مأتم وكل فرح وكل عرس ، تشارك الناس افراحهم واتراحهم واحزانهم . وكنت في الاعراس تقف على رأس صف السحجة "الحولم" وحلقات الدبكة الشعبية.
كنت فعالاً في المجتمع ، وكان لك دور مميز في اقامة وبناء وحدة مصمص ابان انتخابات السلطة المحلية ، وكم سهرت الليالي الطوال بهدف صيانة الترابط والتلاحم والنسيج الاجتماعي في القرية.
كان لوجودك معنى ودلالة ومساحة يا ابا اياس ، وغيابك المبكر عنا ترك فينا جرحاً عميقاً ونزيفاً في القلب وحزناً واسى كبيراً وفراغاً لم ولن يملؤه احد سواك.
ان موتك جلل والمصاب بفقدك فادح وكبير والخسارة لا تعوض يا حبيب الجميع ، فقد اهتزت قلوبنا جزعاً واكفهرت عيوننا واسودت الدنيا فيها وصار طعمها كالعلقم والحنظل. كيف لا والعيون كانت دائماً ترنو وتهفو اليك والقلوب تخفق وتحن لرؤياك !!.
ستظل يا ابا اياس شمسنا الساطعة وقمرنا المنير والوردة التي يفوح عبقها وعطرها واريجها مسكاً في اجواء وساحات وسماء مصمص التي احببت ومت وانت متيم بها. وستبقى ماثلاً امام عيوننا بابتسامتك العريضة الوادعة الطيبة وقامتك الشماء ونبرات صوتك القوية وكلماتك الهادرة ، وستظل نبراساً وقدوة لما تركته وراءك من مآثر خالدة.
فطوبى لك يا نخلة مصمص الباسقة وداليتها ، وطوبى لعروس المثلث التي انجبت ابنها المغادر نحو الشمس ، وسلام عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حياً ، والى جنان الخلد ، ونم هانئاً مرتاح البال والضمير وقرير العين، ومن خلّف ما مات، وبلغ تحياتنا واشواقنا لمن سبقوك الى عالم الخلود ، الى نواف وابو ساهر وابو هلال وابو ماجد وابو طه وكثيرون غيرهم ، ولك منا كل الود ودفء القلب ، والوداع الوداع.