رسائل من أحمد الجدع ( 79 )
رسائل من أحمد الجدع ( 79 )
أحمد الجدع
إلى الشيخ عبد الرحمن البنا .
أنا أعرف أن أباك هو المحدّث الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الذي قضى السنوات الطوال في ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ، وعندما انتهى من عمله أسماه الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ، رتب أحاديث المسند على الموضوع ، وحذف الأسانيد ، وقد طبع الكتاب في عدة مجلدات .
وأنا أعرف أيضاً أنك أخو الإمام حسن البنا ، الرجل الرباني ، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين التي انتشرت انتشاراً واسعاً ، ولم يبق بلد من بلاد الدنيا إلا ودخلته .
وقد كنت أنت أيضاً رجلاً مصلحاً ، فقد أسست "جمعية الحضارة الإسلامية" بالقاهرة ثم رأيت المصلحة بأن تدمجها في جماعة الإخوان المسلمين ، فتم ذلك عام 1933م ، وبهذا أصبحت عضواً فاعلاً في الجماعة .
كانت لك مواهب أدبية متنوعة ، فقد ألفت المسرحيات الشعرية ، وأبدعت الشعر ، وكتبت المقالة الصحفية ، ورأست جريدة الإخوان المسلمين .
دعنا نتحدث عن المسرح الشعري .
كان أحمد شوقي المتوفي عام 1932م أول من أدخل المسرح الشعري إلى الأدب العربي ، وكتب عدداً من المسرحيات كان أشهرها وأفضلها مسرحيتي : "مصرع كليوبترا" و "مجنون ليلى" ، وقد ذاع ذكرهما ، وأعجب بهما الناس ، وقرظهما الأدباء والنقاد .
وبعد رحيل أحمد شوقي كتبت مسرحية "جميل بثينة" فلقيت قبولاً جيداً ، فقدمتها لجنة التمثيل بوزارة المعارف المصرية عام 1934م .
ثم أبدعت مسرحية "سُعدى" فاختارتها فرقة الفنانة ملك ، وقدمتها على المسرح عام 1935م .
ثم أبدعت مسرحية "بنت الإخشيد" فطبعتها في مطبعة الإخوان المسلمين عام 1935م .
وهذا يعني أنك ألفت مسرحيتين في عام واحد (1935م) ، وهذا جهد كبير .
ثم أتبعت كل ذلك بمسرحية "المعز لدين الله" قدمها مسرح الإخوان المسلمين عام 1946م .
وبعدها مسرحية "غزوة بدر" وقد مثلت على مسرح الأزبكية عام 1946م وأكدت بذلك مقدرتك في التأليف فكررت كتابة مسرحيتين في عام واحد (1946م) .
وفي عام 1948م ألفت مسرحية "صلاح الدين منقذ فلسطين" ، مثلت هذه المسرحية على مسرح دار الأوبرا (14 مايو 1948م) ونشرتها دار الاعتصام بالقاهرة .
وأرى أن أنوه هنا أن هذه المسرحية جاءت استجابة لظروف فلسطين بعد أن حلت بها المأساة الكبرى ، وكنت بتأليفها وأدائها على المسرح تساهم في تأييد فلسطين وأهلها ، وتنادي بمنقذ لها مثل صلاح الدين .
وفي عام 1949م أبدعت مسرحية "حصار في الشِّعب" ، مثلت بحديقة الأزبكية في عام تأليفها ، ولعلها امتداد لمسرحية صلاح الدين التي تشير إلى نكبة فلسطين .
ثم ، فيما نعلم ، ختمت التأليف المسرحي الشعري بمسرحية "الهجرة" طبعتها ونشرتها دار الاعتصام بالقاهرة عام 1975م .
وما بين مسرحية حصار في الشعب التي طبعت ومثلت عام 1949م والتي تمثل نهاية التدفق المسرحي في حياتك وبين مسرحية الهجرة التي ألفتها عام 1975م أكثر من ربع قرن !
أقول : لقد نالت مسرحيتك "جميل بثينة" تقديراً واسعاً ، فحازت على جائزة التمثيل الملكية ، وحازت أيضاً على جائزة وزارة المعارف المصرية عام 1934م .
مسرحية احمد شوقي "مجنون ليلى" ومسرحيتك "جميل بثينة" تمثلان قصص الحب العذري عند العرب ، وكلتاهما حصلت على اهتمام كبير ، وكلتاهما مثلتا على المسرح ، وكلتاهما حصلت على جوائز تقديرية .
كنت عضواً فاعلاً في جماعة الإخوان المسلمين ، يؤكد لنا ذلك اختيارك عضواً في مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين برئاسة أخيك حسن البنا .
ومن المفيد أن نسجل أسماء الأعضاء العشرة لهذا المكتب ، فهو المكتب التاريخي للجماعة ، وأعضاؤه العشرة هم الأعضاء التاريخيون للجماعة .
تألف المكتب الذي أنشئ عام 1350هـ 1931م من السادة :
1- مصطفى الطير – من علماء الأزهر .
2- عبد الحفيظ فرغلي - من علماء الأزهر .
3- حامد عسكرية - من علماء الأزهر .
4- عفيفي الشافعي - من علماء الأزهر .
5- أحمد السكري – مدرس بالابتدائي .
6- خالد عبد اللطيف – من أعيان الجمالية .
7- محمد فتح الله درويش – موظف بالمالية .
8- عبد الرحمن البنا (الساعاتي) – موظف بهندسة الوابورات .
9- محمد أسعد الحكيم - موظف بهندسة الوابورات .
10- محمد حلمي نور الدين – موظف بتفتيش ري الجيزة .
وقد قرر مكتب الإرشاد هذا إنشاء جريدة "الإخوان المسلمون" واختيارك مسؤولاً عنها ، وقد أنشئت هذه الجريدة في 22 صفر 1352هـ الموافق 15 يونيو 1933م .
وكان رئيس تحريرها طنطاوي جوهري .
وكانت المسرحيات الشعرية تنم عن موهبة شعرية راقية ، وقد امتزجت هذه الموهبة بواجب الدعوة الإسلامية ، فحددت اتجاهات إبداعك ، فنشرت في جريدة الإخوان المسلمين قصائد منها :
1- فكيف جموع الناس في عرفات .
2- ضموا الصفوف .
3- قم للحجاز .
4- في ظل مولدك السعيد وحسنه .
5- لا تطمعوا إن أردتم أن تضلونا .
6- فلسطين .
7- قدوم الأستاذ المرشد من الأقطار الحجازية .
وأمتلك أربعة من هذه القصائد السبعة هي :
1- ضموا الصفوف ، ومطلعها :
ضموا الصفوف وأنقذوا
الإسلاما |
|
بل أنقذوا من بالحمى قد ناما |
2- لا تطمعوا إن أردتم أن تضلونا ، ومطلعها :
قل للمبشر لا تعبث بنادينا |
|
فالله شرف بالإسلام وادينا |
3- في ظل مولدك السعيد وحسنه ، ومطلعها :
طير يغرد في الأصيل وحسنه |
|
ويردد التغريد من أشجانه |
4- قم للحجاز ، مطلعها :
قم للحجاز وكبر في مشاعره |
|
وانهض بجسم حليق الرأس حاسره |
وعندما أشرفت على جريدة الإخوان المسلمين كتبت فيها مقالات إسلامية ، وكنت قبل ذلك تكتب مقالات قصيرة في جريدة الأخبار القاهرية .
جمعت مقالاتك في كتب ، وهذه عناوينها :
1- إلى الله .
2- ثورة الدم .
3- الدعوة إلى الله .
4- التبليغ عن رسول الله r .
5- حديث الجهاد (عن العدوان الثلاثي على مصر) .
وفي سيرتك أنك كنت عضواً في مجلس الشعب المصري في الستينيات عن دائرة مصر القديمة .
وفي سيرتك أيضاً أنك رأست قسم نشر الدعوة في جماعة الإخوان المسلمين ، ويقوم هذا القسم بنشر فكرة الإخوان المسلمين بكل الوسائل التي لا تنافي روح الإسلام .
وفي الخامس من جمادى الأولى عام 1354هـ الموافق 5 أغسطس عام 1935م بعثك أخوك الإمام حسن البنا مع الأستاذ محمد أسعد الحكيم إلى سورية وفلسطين ولبنان لنشر الدعوة ، وكانت أول بعثة للإخوان المسلمين إلى الأقطار العربية .
وفي صيف 1944م انتدبك قسم الاتصال بالعالم الإسلامي مع الأستاذ عبد الحكيم عابدين لزيارة الأقطار العربية بالشام والعراق ، وفي معلومة أخرى أن أخاك الإمام حسن البنا أرسلك في وفد مشكل منك ومن الأستاذ محمد أسعد الحكيم والشيخ عبد المعز عبد الستار إلى فلسطين يرافقكم الزعيم التونسي عبد العزيز الثعالبي ، فزرتم عدداً من مدن فلسطين تستنهضون أهلها للمقاومة .
هذه يا أخي ، عبد الرحمن البنا الساعاتي ، سيرة حافلة بالعمل وبالجهاد في سبيل الله ، فهنيئاً لك ، هنيئاً لك ، هنيئاً لك .
ولمن لا يعرفك : فقد ولدت في مدينة المحمودية في محافظة البحيرة عام 1326هـ موافق 1908م ، وحفظت القرآن الكريم في طفولتك على يد والدك المحدث أحمد عبد الرحمن البنا ، وتخرجت في مدرسة التجارة المتوسطة عام 1928م ، ثم حصلت على دبلوم الدراسات العليا الإسلامية عام 1957م ، على رسالتك "موقف اليهود من الدعوة الإسلامية" ، عملت مع والدك في مهنة إصلاح الساعات ، ومنها اكتسبت لقب الساعاتي ، ثم عملت بهيئة السكة الحديد حتى تقاعدت بدرجة مدير عام .
لقد كانت قضية فلسطين حاضرة في كل ما كتبت من مسرحيات وأشعار ، وحتى رسالتك الجامعية كانت عن اليهود .
توفاك الله عام 1416هـ موافق 1995م .
رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك جناته ، وأنا معك .