رسائل من أحمد الجدع (72)

إلى الشاعر الكبير محمد منلا غزيل – سورية

أحمد الجدع

كنت يا أخي من أوائل الشعراء الذين التزموا النهج الإسلامي على طريق شعراء الدعوة في عصر الرسول .

وكانت قصائدك تلتزم الفكرة والفن الشعري ، ولهذا تناقلتها الصحف ، وحفظها هواة الشعر ، وأقبل عليها محبو الكلمة الصادقة الهادفة .

ولدت عام 1936 في مدينة منبج ، البلدة التي أنجبت بالبحتري في الأولين ، وبعمر أبي ريشة في المعاصرين ، ثم أنجبت بك علماً في الشعر تسير على هديهم الفني ، وتتبنى فكر الإسلاميين المعاصرين .

وعندما لمح الأديب إسماعيل حقي ذلك في إبداعك أطلق عليك لقب "البحتري الصغير" وأعجبك ذلك ، فأخذت توقع قصائدك بهذا اللقب الظريف .

أقبلت على كتب المفكر الإسلامي الكبير سيد قطب يرحمه الله ويرحمنا معه ، فقرأتها ، واستفدت منها ، وحذوت حذوها فكراً وأسلوباً ، ومن يطالع قصائدك ومقالاتك يدرك ذلك جيداً .

في عام 1954م ، وكان لك من العمر آنئذٍ ثمانية عشر عاماً انقدح فكرك أن تنشئ رابطة تجمع الأدباء والشعراء ، ودعوت عدداً من الأدباء والشعراء ليقوموا على تأسيسها ، فاستجاب لك الشاعر محمود كلزي والأديب عبد الله الطنطاوي ، فتوليتم ثلاثتكم هذا الوليد ، وقمتم على رعايته حتى استوى على عوده ، فجذب عدداً كبيراً من أدباء العرب وشعرائهم فانتسبوا إلى هذه الرابطة التي اخترتم لها اسماً جميلاً "رابطة الوعي الإسلامي" وحقاً إن الأدب الإسلامي بفروعه كلها كان بحاجة إلى وعي يرده إلى أصوله وجذوره ، فقد كان الزمان الذي أطلقتم فيه هذا النداء إلى الوعي ، فقد عمه الجهل وسادته الضبابية ، وقاده كل ذلك إلى خارج الوعي مما دفعه إلى تبني الأفكار المناهضة للإسلام الحنيف .

أنت يا شاعرنا من رواد الأدب الإسلامي المعاصر ، بل من المقدمين في الريادة ، وقد بدأت نشاطك الشعري مبكراً ، واستويت شاعراً معروفاً ولم تزل طالباً ، ثم أخذت تستقل بفكرك الذي ربطته بالدعوة الإسلامية المعاصرة ، ولم تكتف بشاعريتك بل دعوت إلى تنظيم الشعراء في رابطة الوعي الإسلامي ، ولعل هذه الرابطة هي التي أوحت لرجال جلهم من الشام إلى الدعوة إلى إنشاء رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، وهي التي دعت زميلك في الرابطة عبد الله الطنطاوي إلى إنشاء الموقع الإلكتروني "رابطة أدباء الشام" .

أخذت في إصدار شعرك في مجموعات شعرية صغيرة ، فأصدرت المجموعات التالية :

1- في ظلال الدعوة ، صدرت عام 1375هـ 1956م .

2- الصبح القريب ، صدرت عام 1378هـ 1959م .

3- الله والطاغوت ، صدرت عام 1381هـ 1962م .

4- طاقة الريحان ، صدرت عام 1394هـ 1974م .

5- البنيان المرصوص ، صدرت عام 1395هـ 1975م .

6- اللواء الأبيض ، صدرت عام 1398هـ 1978م .

ثم جمعت هذه المجموعات في "الأعمال الشعرية الكاملة" التي صدرت طبعتها الأولى عام 1398هـ 1978م ، وأهديت المجموعة كلها "إلى ذكرى شاعر الإسلام الأول حسان بن ثابت الأنصاري" فقلت :

بيانك يا حسان بذّ القوافيا
تسجل في الدنيا ملاحم دعوة
فإن شئت سلماً كان أبيض ناصعا
 

 

بروعة إنشاد تسوق المعانيا
ومقول حسان يفوق المواضيا
وإن شئت حرباً كان أحمر قانيا
 

وختمت كل ذلك بقولك : "إذا استطاعت قصائدي وكلماتي أن تبعث في قلوب الشباب المسلم نَضْرة التفاؤل ، وثقة الإيمان حية متجددة فإن ذلك خير لي من حمر النعم" .

الأستاذ الشاعر الكبير محمد منلا الدرويش الشهير بغزيّل ، لقد أصابك المرض ، فاعتزلت الناس واعتزلت الشعر ، ولكن بعد أن قدمت لنا أزهاراً فواحة ، انتشر عطرها في حدائق الشعر الإسلامي المعاصر .

أخي الشاعر الفحل : ليس هنا مجال الاقتباس من شعرك ، ولكني أورد هنا هذه الأبيات التي وردت مقدمة لقصيدتك المطولة "هوامش نقشبندية على أوراق وهابي" ذلك لأن الشاعر الشيخ محمد سعيد المحمود عارضها بأبيات جميلة وعلقها بمسجد الشهداء بالباب يوم الأربعاء في 23/5/1418هـ 24/9/1997م .

أما أبياتك فهي :

ببالغ فرحة الرفقة
يبث غزيل شوقه
وينسج من هوامشه
يطرز "نقشبندياً"
فبشرى للألى لمحوا
وشام البرق شامياً
مهاجرة مناصرة
 

 

وخالص لوعة الحرقه
إلى التوحيد لا الفرقه
على علاتها "خرقه"
على أفوافها ذوقه
سنا تبيانه برقه
وعافوا غربه شرقه
وراز ذكيهم حذقه
 

    وأما أبيات الشيخ محمد سعيد المسعود فهي :

ويحبوها "رفاعياً"
ومن "جيلان" يعطيها
وبالسلفية المثلى
جهاد "الشاذلي" أتى
تآخى الكل في الإسلا
فلا تهنوا أيا أعلو
فكل مبادئ الأعدا
ليبلغ مجد أمتنا
وإن لم نتحد ضعنا
 

 

صفاء الجو ذي الزرقه
جمالاً زادها رقه
أتتها روعة الرقيه
ليسكب فوقها ودقه
م كي لا تبعد الشقه
ن ولتقضوا على الفرقه
ضلال فاغر شدقه
ويبني صرحه فوقه
وضاعت فرصة حقه
 

أقول قبل أن أختم رسالتي هذه أنني ترجمت لك في كتابي "معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين" واخترت لك قصيدتك "الله والطاغوت" في الجزء الأول من كتابي "أجمل مائة قصيدة في الشعر الإسلامي المعاصر" .

أخي العزيز : اعتمدت في كتابة رسالتي هذه على كتاب صديقك الصفيّ الوفـيّ عبد الله محمود الطنطاوي "محمد منلا غزيل في ظلال الدعوة" وعلى مصادر أخرى .

الشاعر الإسلامي محمد منلا غزيل شكر الله لك جهودك في خدمة الشعر الإسلامي المعاصر ، وأثابك على ذلك جنته وأنا معك .