إسماعيل عمر في ذكرى مرور سنة على غيابه
محمد قاسم "ابن الجزيرة "
كالعادة- في مثل هذه الأحوال -:
سيدعو حزبه إلى تأبينه بالمناسبة، وسيُلبي الدعوةَ كثيرون –وأنا منهم-.على الرغم من بعض ظروفي الصحية، وبعد المسافة، واحتمال رداءة الطقس. وستُلقى خطبٌ حماسية، وكلماتٍ تأبينية؛ فيها التعبير الكثير عن مشاعرَ يَغزلونها بإتقان –وقد تكون صادقة في كثير منها- فالمرحوم إسماعيل كان شخصا يوفر الفرص لإنتاج المشاعر، وفيضها، وجذبها أيضا... لما كان فيه من خصال حميدة, وأخلاق كريمة، تميّز بها –ربما– عن أغلبية أقرانه من القيادات الحزبية الكوردية-وغير الكوردية أيضا –بدلالة أن جميع المؤبِّنين في أربعينيته؛ اتفقوا على خصاله الأخلاقية في كلماتهم، إضافة لمن كتب أو تحدث عنه عموما، فضلا عن الروح السياسية المستشرفة بهدوء وحنكة –و تقبل النقد سواء أعمل بها ام لا...فالمهم انه لم يكن يتخذ مواقف من الناقدين كما يفعل غيره بحسب معرفتي به .
وعلى هامش مراسيم التأبين سيتبادل الحاضرون التحايا والقبلات والمصافحات... وقد يتحدثون ببعض ما يخص الظروف الحاضرة بعجالة لا تنتج رؤية، ولا رأيا يستحق أن يكون مادة واقعية في التأثير الايجابي على حياة الشعب الكوردي؛ في هذه اللحظة التاريخية، والمنذرة بالمفاجآت غير المتوقعة.وطبعا لا أظن أنهم سيستغلون المناسبة - وقد اجتمع الكثيرون من ممثلي الأحزاب والمثقفين والشخصيات الاجتماعية والشباب ...الخ.لاجتماعات – او لقاءات- تعالج مشكلات تؤرق الشعب الكوردي كله،بل الشعب السوري كله.
الغليان –عادة- يحتمل المختلفات وربما المتناقضات...والنتائج الأكيدة هي آلام ومآس وارتباك وربما أكثر..وقانا الله شرها.
وفي عجالة، سيبادر كل منهم -فور انتهاء برامج التأبين- إلى سياراتهم؛ للعودة قبل تأخر الوقت...فالطرقات- والظروف - قد تحمل نُذُرا غير مستحبة، سواء من الطبيعة بما يحتمل من أمطار ورياح وبرد...الخ. مع أن الجميع يتمنون هطول المطر إيذانا بمقدمة مبشرة بالأمل والخير للزراعة، وزيادة الماء الذي "هو كما قال الله عزوجل: " وجعلنا من الماء كل شيء منه حي".
أو من النظام في سلوك دورياته الأمنية، وحواجزه المتناثرة هنا وهناك... والاحتمالات غير المرغوبة عموما؛ ومنها أمزجة مثقلة بالتعب والسلوك النفسي، والذي لا يراعي معنى الحقوق والمواطنة والكرامة في أغلب الحالات... فقط يرى ما هو أمني –وغالبا –عبر أوهام لم تمل منها بعد؛ نتيجة حالة نفسية، وثقافة تراكمية خلال عقود...!.
النظام يعلم كل العلم بان لا عنف وارد في المنطقة الكوردية –والثقافة الكوردية- اللهم سوى ما زرعه هو بنفسه في هذه المنطقة ، عبر ممارسات يعلمها هو و الجميع... وان كانوا صامتين وساكتين عنها لأسباب مختلفة.!
وقد تمارس عادات اجتماعية تجاوزها الزمان، والتي ليست عائلة المرحوم بمنأى عنها ، وإلاّ لم تكن تصرّ على نقل جثمانه إلى قرية معزولة نائية، بدلا من أن تكون في مركز المجتمع والمنطقة؛ في مقبرة قدور بك في قامشلي، حيث شهداء وشخصيات عزيزة على المجتمع الكوردي، ومنهم المرحوم الشهيد ،الشيخ معشوق والشهيدين كمال وشيخموس..مثلا... وكما فعلت أيضا –وبنفس الذهنية-عائلة المرحوم والشهيد مشعل تمو... بذريعة هذه العادات تسن ما ليس في خدمة تقدم المجتمع بقدر ما هو من معيقاته، وتستجيب لاعتبارات نفسية أكثر.
ومن المؤسف، ربما سيصبح هذا الإجراء عادة اجتماعية، أهم سماتها سوء التقدير، والانسياق لرغبات نفسية لا صلة لها بمكانة هؤلاء الكبار شأنا سياسيا ونضاليا.
وكأن قدر السياسيين –خاصة في درباسية- أن يتحكم بمصيرهم العائلات وثقافتها الخاصة.
المرحوم إسماعيل سيظل في قبره، بجسده الذي لا شك أنه قد بلي..وأصبح عظامه رميما –وهو حال كل من يدخل القبر، ويُهال التراب على جسده-..لكن روحه ستكون حائمة حول هذا الحشد..وربما تردد في نفسها..يا ألله..!
لو أن هذا الجمع من السياسيين والمثقفين والشخصيات الاجتماعية وكل الحاضرين اجتمعوا على وحدة الهدف، وأدركوا القوة التي يختزنونها إذا اتفقوا – لكان لشعبي شان آخر.بل لكان للوطن شأن آخر..!
وربما همس: ألم يحن –بعد- أن تتغير المناهج والمسالك وروح العلاقات ؟!
إذا كنت في قبري أدرك أهمية هذا؛ فكيف لا تنتبهون إليها- أيها القادة الأحياء- ؟!
وقد يتساءل همسا لئلا يخدش مشاعر الأحياء....قيادات ومثقفين وشخصيات اجتماعية ومختلف الفئات إضافة إلى ركائز النظام والملتفين حولهم خاصة الوصوليون والمرتزقة المحترفين فئات وأفرادا وجماعات...الخ.
ألم يحن -بعد -أن تتجاوزوا انحرافاتكم، وأنانياتكم، لتحققوا -فيما تبقى من عمركم- شيئا مذكورا لأمتكم؛ تُذكرون به – بطيب- بعد مماتكم؟!.
رحمك الله أستاذ إسماعيل...
كنت واحدا من هذا النسق من القيادات...ولكنك تميزت عنهم في أشياء؛ كما لمستها وسمعتها أو اسمعها...وقرأتها ...
كنت متواضعا في تعاملك –شعبيا...في نهجك الحياتي عموما....زرت بيتك ووجدت كيف انه كبيت أي مدرس أو موظف يجهد ليستكمله بالتقسيط..ولا ادري هل هو حقا نهج، أم للظروف المالية أثرها...! مع أنني أرجح أن الأول هو الصحيح.
كنت واسع الصدر، تتلقى الملاحظات والانتقادات –حتى اللاذعة منها – بصدر رحب..ولا تبني موقفا من أصحابها عمليا..ولا ادري هل كنت تسرّها في نفسك ام لا ..لكن ما عرفته عنك، انك لم تسرها في الغالب... فقد فاض بعض هذا النهج كما لمست في نهج الكثيرين من رفاقك، وأنا شاهد على هذا فيما جرى معي...
كانت انتقاداتي التي كنت أوجهها للآخرين، واليك واحدة - طبيعة ودرجة- وربما التي كنت أخصك بها أكثر مباشرة، وأشد لسعا ..لكنني لم ألمس منك موقفا سلبيا نحوي..بل كنت تحرص دائما لتشعرني بالمودة،وتخصني بزياراتك ومشاركتي مناسباتي إما مهاتفة أو حضورا إذا تمكنت. وتتعامل معي في قضايا المستقلين، في حين أن البعض من قيادات حزبية من غير حزبك يحرض أعضاء حزبه –ربما –لاتخاذ الموقف مني –وامثالي- ومن غيري ممن يحاول أن يكون ذا فعالية ثقافية، ومواقف خاصة مستقلة، لا تجامل.وذلك بدافع الشعور بالمسؤولية ،لا بدوافع أنانية تخص طموحا معينا، أو طمعا في شهرة أو منصب ..فلو أردنا أنا وأمثالي ذلك ما كان أسهله في ظل تكاثر الأحزاب التي تولد كل سنة أكثر من مرة .فزادت عن الولادة البشرية الطبيعية. وإذا كنت أتحدث عن نفسي فلأني ذا تجربة معك،ولأني امثل نموذجا من جهة أخرى.
كثيرا ما كنت أشعر بأن لديك نظرة تحليلية سياسية أعمق من الكثيرين من أمثالك من القياديين على الرغم من انك لم تؤت طلاقة تعبيرية كما هي عند بعضهم.
كنت المس البعد القومي الأوسع، والوطني الأعمق- وبصدق- في الاتجاهات التي تتبناها أكثر من غيرك، من الذين جعلوا أحزابهم فوق الشعب. وربوا وأنتجوا معايير ذات بعد ذاتي وأناني على حساب المعايير القومية العامة والوطنية ..وان كنت لا أبرئك من بعض نزوع في روح الحزبية -ممكنة التعامل معها- بخلاف الذين جعلوا التعامل معها خارج المعقول والممكن عمليا. وبعدوا عن الشعب وبعد الشعب عنهم.
مرة أخرى رحمك الله يا إسماعيل...وأسكنك فسيح الجنان.