رسائل من أحمد الجدع ( 65 )
أحمد الجدع
إلى الأستاذ أمين الخولي مؤسس ورئيس "جماعة الأمناء" الأدبية بمصر .
سلام عليك ، لقد كنت في زمانك شعلة متقدة من النشاط ، تجمع حولك التلاميذ النابهين وتوجههم إلى ما تراه مفيداً لهم ولوطنهم ، وفي عام 1944م رأيت أن تجمع هؤلاء النابهين في جمعية أدبية اخترت لها اسم "جماعة الأمناء" ولعلك تقصد الأمناء على لغتهم وآدابها ، ووطنهم وعزته واستقلاله ، فقد كان الإنجليز في ذلك التاريخ يربضون على صدر مصر والمصريين ، أو لعل هذه الجماعة نسبت إليك "أمين" – أمناء ، ولعلك تقصد أن كل من ينضم إلى هذه الجماعة يصبح مثل أمين الخولي .
وبعد أحد عشر عاماً على تأسيسك لجماعة الأمناء رأيت أن تصدر باسمها مجلة أدبية تعنى بإبداعات أعضائها ، فأسست عام 1956م مجلة "الأدب" التي استمر صدورها عشر سنوات ، وتوقفت عن الصدور عام وفاتك .
وفي الاجتماع الأول لجماعة الأمناء عام 1944م صدر البيان الأول كتب بخط أنور المعداوي أحد أعضائها ، وهو الذي أصبح فيما بعد واحداً من أكبر نقاد الأدب بمصر .
وأحب هنا أن أثبت هذا البيان الذي كتب بخط اليد ، ونشرته بعد كتابته بخمسة عشر عاماً مجلة "الأدب" الصادرة عن "جماعة الأمناء" .
يقول البيان : "اجتمعت رغبتنا ، وإرادتنا الصادقة ، في حياة علمية صادقة ، لا نرجوها لأنفسنا فحسب ، ولكن لإقامة مجد مصر ، ولأبنائها عامة ، على أن نختار قائداً يقودنا ، وهادياً ينير لنا السبيل إليها ، فاستقرّ الرأي على أن نتقدم إلى أستاذنا الجليل أمين الخولي وهو خير هادٍ إلى غايتنا ، وتحقيق رسالتنا ، ولم يسع أستاذنا الجليل أمام رغبتنا الملحة في تكوين المدرسة التي سيطلع بأعبائها معنا إلا إبداء استعداده وعرض جهوده .
ولا يسعنا أمام هذا العطف والكرم والنبل إلا أن نقدم لعجزنا عن الشكر ، وقد ابتدأت المدرسة حياتها باجتماع في نادي كلية الآداب بالجيزة في تمام الساعة السابعة من مساء الأربعاء الموافق 19 إبريل سنة 1944م ، وقد ترأس الاجتماع شيخ المدرسة ، وحضره تلميذة المدرسة الأولى الأساتذة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) ، والطلبة الآتية أسماؤهم ، وكلهم طلبة بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول قسم اللغة العربية :
أنور المعدّاوي ، إسماعيل النحراوي ، فريد أبو وردة ، مصطفى ناصف ، عبد اللطيف الخليفة ، أحمد عبد اللطيف ، محمد العلائي ، أحمد شوقي العريان ، عبد القادر السميحي ، محمد شعيب المجددي ، عبد الكريم غلاب ، عبد الكريم بن ثابت ، جرار عرفات القدوة ، رجائي العزبي ، بهي الدين زيان ، عبد المنعم البساطي ، علي محمد عرفة ، عبد الستار الجواري .
أقول : هؤلاء الطلبة المؤسسون لم يكونوا كلهم من مصر ، ففيهم من البلاد العربية والإسلامية أيضاً ، فمنهم المجددي من أفغانستان ، والجواري من العراق ، والقدوة من فلسطين ، وغلاب من المغرب ...
إذن فقد كانت جماعة الأمناء من أول يوم تأسست فيه شاملة للعرب والمسلمين ، وهذا يدل على سعة أفقك ، وعلى رغبتك بالتواصل مع العرب والمسلمين .
ومن الأسماء التي لمعت في عالم الأدب وكانت من أعضاء جماعة الأمناء : فاروق خورشيد ، صلاح عبد الصبور ، عز الدين إسماعيل ، شكري عياد .
أقول يا أستاذنا أمين الخولي ، لقد ترأس جماعة الأمناء بعد وفاتك تلميذك شكري عياد ، ومن بعده فاروق خورشيد .
وأشير هنا إلى علاقتك الوثيقة بالصحافة ، فقد كنت من كتاب مجلة الرسالة أشهر المجلات الأدبية في العالم العربي ، ومن كتاب مجلة السياسة الأسبوعية ومجلة البلاغ ، وهما من المجلات الشهيرة بمصر .
وعندما كنت مدرساً في مدرسة القضاء الشرعي ، أصدرت المدرسة مجلتها باسم "مجلة القضاء الشرعي" ، فكنت رئيس تحريرها وواحد من كتابها .
وأصدرت مجلة "الأدب" لتكون لسان جماعة الأمناء ، وتنطق باسمها وذلك عام 1956م ، واستمرت تصدر حتى وفاتك عام 1966م ، أي أنها استمرت في الصدور عشر سنوات ، وكنت تنفق عليها من مالك الخاص .
وكنت مغرماً في تأليف الجماعات ، فألفت جماعة "إخوان الصفا" عندما كنت طالباً فمدرساً في مدرسة القضاء الشرعي وذلك عام 1919م ، وكانت الجماعة تعنى بتعليم اللغات الأجنبية وبالفن والأدب ، وأسست جماعة الأمناء عام 1944م عندما كنت أستاذاً للأدب العربي في جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) ، ثم أسست عام 1945م جماعة "حياة القرية" في القرية التي ولدت فيها في ريف مصر ، وهي قرية "شوشاي" .
وقد ارتبطت حياتك بزعيم مصر في زمانك "سعد زغلول" وقد كان الباب الذي دخلت منه إلى سعد زغلول هو مدير مدرسة القضاء الشرعي "عاطف بركات" وكان سعد زغلول خاله ، وكنت أنت تلميذاً في مدرسة القضاء الشرعي ثم مدرساً فيها وقد شاركت في ثورة 1919م ، وكنت من الذين نفوا إلى جزيرة سيشل مع سعد زغلول ، ومكثت فيها معه تسعة أشهر ثم عدت إلى مصر .
من أبرز محطات حياتك أنك كنت ثاني اثنين أرسلهما الأزهر لحضور "مؤتمر الأديان الدولي" وكان الثاني : مصطفى عبد الرازق ، ومن المعروف عن مؤتمرات الأديان التي يعقدها الغرب أنها إنما تعقد لمحاربة الإسلام ، وإلا كيف نشارك في مؤتمرات لا يعترف مقيموها بالإسلام ، بل يحاربونه ويطلقون فيه آلاف المبشرين حتى يخرجوا المسلمين من دينهم ، وينفقون في سبيل ذلك الأموال الطائلة !
تزوجت من تلميذتك عائشة عبد الرحمن المعروفة ببنت الشاطئ ، وفصلت هي أحداث هذا الزواج ومسيرته التي تمثلت في ثلاثة أبناء وذلك في كتابها "على الجسر" وقد غدت بنت الشاطئ واحدة من مشاهير النساء في مصر ، وقد وقفت في وجه موجات تغريب المرأة ، ولها في ذلك كتب كثيرة .
وبعد :
إنك أمين إبراهيم عبد الباقي عامر إسماعيل يوسف الخولي ، ولدت عام 1895م في قرية شوشاي بمصر ، حفظت القرآن الكريم وأنت في العاشرة من عمرك ، درست في مدرسة القضاء الشرعي ، ودرَّست فيها ، ثم عينت إماماً للسفارة المصرية في روما عام 1923م ، ثم نقلت إلى مفوضية مصر في برلين عام 1926م ، ثم عدت إلى مدرسة القضاء الشرعي عام 1927م ، ثم عينت في قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة فؤاد الأول عام 1928م ، ثم أصبحت رئيساً لقسم اللغة العربية فيها ، ثم وكيلاً لكلية الآداب عام 1946م ، ثم نقلت مستشاراً لدار الكتب المصرية عام 1953م ، ثم مديراً عاماً للثقافة ، ثم أحلت إلى المعاش عام 1955م ، وفي عام 1966م اخترت عضواً في مجمع اللغة العربية في القاهرة ، وما لبثت أن توفاك الله في العام نفسه ، ودفنت في قريتك "شوشاي" .
ألفت عدداً من الكتب منها : الفلسفة وتاريخها عام 1943م ، تاريخ الملل والنحل ، فن القول ، وهو أهم كتبك .
أمين الخولي : أسأل الله أن يرحمك وأن يرحمنا معك ، وسلام عليك .