رسائل من أحمد الجدع (56)
رسائل من أحمد الجدع (56)
أحمد الجدع
إلى الدكتور حسين مؤنس .
أمامي الآن كتابك " نور الدين محمود ، سيرة مجاهد صادق ، قصة بناء الوحدة العربية الإسلامية لإخراج الصليبيين من الوطن العربي في القرن السادس الهجري " .
وذلك في طبعته الأولى الصادرة عام 1959م بالقاهرة قبل اثنين وخمسين عاماً على عامنا هذا (2011) ولست أدري إن كان قد طبع مرة ثانية !
وعندما صدر هذا الكتاب كنت أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة القاهرة ومدير معهد الدراسات الإسلامية بمدريد .
لست أدري إن كان قومنا في أيامنا يذكرون هذا البطل المحرر الموحِّد نور الدين محمود زنكي الذي سار على طريق من أسس الصحوة الإسلامية في زمن الصليبيين ، ثم أتمها على أكمل وجه وسلم الراية من بعده لصلاح الدين يوسف بن أيوب الذي خاض المعركة الفاصلة في معركة حطين ثم توجه إلى بيت المقدس واحتلها ، وحرر المسجد الأقصى .
أعجبني تحليلك لشخصية نور الدين حين تقول تعليقاً على نجاحاته الباهرة :
" ومرد ذلك إلى أن الرجل كان مؤمناً بالإسلام وجلاله إيماناً مكن له من أن يحقق ما عجز عنه غيره ممن كانت بلادهم وثرواتهم تزيد أضعافاً على ما كان له ، وإذا كان لعظمة كل عظيم سرّ فإن سرّ نور الدين كله في إيمانه ، فقد امتلأت نفسه بالإسلام وتمثل روحه على النحو الذي لا نكاد نجد له شبيهاً إلا عند الأوائل من أعلام صدر الإسلام " .
وقد مدح الشاعر ابن القيسراني نور الدين محمود ، ولم يكن نور الدين محمود عربياً ، فقال :
تدارك ملة العربي نصراً |
|
إلى أن عده منه مَعَدُّ |
ويعني الشاعر بملة العربي الإسلام الذي نزل على الرسول العربي صلى الله عليه وسلم ، ويعني بمعد أبا العرب العدنانيين الذين ينتسب إليهم رسول الله r .
وقد بينت صفات نور الدين الإيمانية والإدارية والحربية ، ولعل من أهم ما اتصف به من أعماله الإدارية أنه كان إذا دخل بلداً قام من فوره بإلغاء الضرائب الظالمة التي كان يفرضها من كان قبله من حكام هذا البلد ، فيخفف عن الناس ما أثقلهم فيبعث فيهم النشاط إلى العمل والإخلاص فيه ، وكان هذا مما يحبب الناس فيه ، فيساعده ذلك على تحقيق الانتصارات .
ولمن لا يعرفك يا عالم التاريخ العربي الإسلامي فإنك حسين مؤنس ، ولدت عام 1911م وتوفاك الله عام 1996م عن عمر امتد خمسة وثمانين عاماً ، قدمت فيه لأمتك خدمات جلى في دراسة تاريخهم وأمجادهم .
حصلت على شهادة الدكتوراة في الآداب عام 1943م من جامعة زيورخ بسويسرا ، وعملت أول ما عملت بمعهد الأبحاث الخارجية في الجامعة نفسها حتى عام 1945م ، كما عملت أستاذاً للتاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة ، ثم أستاذاً ثم رئيساً لقسم التاريخ بجامعة الكويت لمدة طالت ستة عشر عاماً .
ومن أجَلِّ أعمالك إنشائك وإدارتك لمعهد الدراسات الإسلامية بمدريد في إسبانيا التي كانت تدعى بالأندلس ، وهل يذكر المسلمون الأندلس ؟
ولعلك حين كنت تنشئ هذا المعهد تتطلع إلى الأندلس الإسلامية ، لعلك أن تحيي شيئاً مما كان فيها ...
ومن أعمالك أيضاً رئاستك لتحرير مجلة الهلال ، وروايات الهلال ، وكتاب الهلال خلال عام 1977م .
واختاروك عضواً في مجمع اللغة العربية عام 1985م .
إلا أن كل هذه الأعمال لم تشغلك عن البحث والتأليف ، فألفت الكتب الآتية :
1- الشرق الإسلامي في العصر الحديث (صدر عام 1983م) ,
2- فتح العرب للمغرب (صدر عام 1947م) .
3- كتب وكتَّاب جزءان (صدر عام 1969م) .
4- مصر ورسالتها (صدر عام 1976م) .
5- ابن بطوطة ورحلاته (صدر عام 1980م) .
6- معالم تاريخ العرب والأندلس (صدر عام 1980م) .
7- تاريخ الجغرافيا والجغرافيين في الأندلس .
8- رحلة الأندلس .
9- حديث الفردوس الموعود .
10- التاريخ والمؤرخون .
11- الحضارة ، وهو أول كتاب صدر في سلسلة عالم المعرفة الكويتية .
12- الإسلام حضارة .
13- الإسلام الفاتح .
14- عالم الإسلام .
15- المساجد .
16- الربا وخراب الدنيا .
17- دراسات في السيرة النبوية .
18- دستور أمة الإسلام .
19- صور من البطولات العربية والأجنبية .
20- شيوخ الفكر في الأندلس .
21- أطلس تاريخ الإسلام ، وهو من أجَلِّ أعمالك وخاتمتها .
ولك في تحقيق الكتب باع طويل ، فقد حققت مجموعة من الكتب تحقيقاً علمياً .
ومن أهم أعمالك التي نفعت بها توليك الإدارة العامة للثقافة بوزارة التربية والتعليم المصرية (1955-1957) فأنشأت مشروعاً ثقافياً ضخماً باسم (مشروع الألف كتاب) قصدت به تعميم الثقافة بين شباب الأمة ، فانتفع بهذا المشروع شباب الأمة في مصر وفي خارجها ، وكنت أنا ممن انتفع به وتتبع إصداراته .
واعترافاً بمجهودك الثقافي الضخم منحتك حكومتك جائزة الدولة التقديرية عام 1986م .
مؤرخ الإسلام في العصر الحديث ، الدكتور حسين مؤنس ، رحمك الله ورحمنا معك .