ميلاد... يا بشارة الفرح القادم
جميل السلحوت
وإنا لموتك يا ميلاد لمحزونون...لم أعرفك أيها الفتى...وربما لم أشاهدك في حياتك الدنيوية...لكنني أعرف أن والدك أمضى زهرة عمره خلف القضبان...ليتحرر ويتزوج وينجبك، وليسميك"ميلاد" فهل يأتي تناغم الإسم"ميلاد سعيد عياش" كي يرى الوالد بيوم مولدك ميلادا سعيدا لأسرة تبغي العيش في الحياة ما استطاعت الى ذلك سبيلا؟ لقد ذكرني صعودك الى قمة المجد شهيدا بفتى من بيت لحم يصغرك عمرا، واسمه ميلاد حنا...ارتقى في الانتفاضة الأولى هو أيضا إلى قمة المجد طفلا لم يتجاوز العاشرة من عمره، وترك خلفه مأساة أبكت بواكيا...ولتولد أنت بعده بسنوات سبع، ولتحمل إسمه دون قصد من والديك، لكنهما بالتأكيد ارتأيا فيك ميلاد دولة يحلم فيها شعبك ويعمل على إقامتها...لكن سُرّاق الحياة أبوا إلا أن يقتلوك ظنا منهم أن حياتك تشكل حديقة ورود في بستان شعبك...وبما أنهم لا يرون لغيرهم حقا في الحياة فإن خيالهم المريض، وثقافتهم اللا إنسانية دفعت قناصهم إلى التصويب عليك من بعد، فما أخطأ هدفه...وبالتأكيد فإن اليد الآثمة التي صوبت السلاح إلى جسدك الغض لم تفكر ولو قليلا بأحزان والديك وشقيقك وشقيقاتك ومحبيك عليك، ولم تفكر بطموحاتك، وكيف كنت تبني عالمك الخاص لمستقبل واعد، لم تفكر بكيفية إستعدادك لامتحان الثانوية العامة- التوجيهي- الذي بقيت أيام لبدايته، لتتفوق كما أنت دائما، ولتلتحق بالجامعة تمهيدا لعبور حياة سعيدة كنت تحلم بها، فهل نهتف من قعر المأساة التي تركتها برحيلك المبكر"مرحى لسفاح الطفولة"؟ لا ...لا يا ميلاد...لن نهتف ولو ساخرين لسفاح يقتل طفلا.
وبالتأكيد يا ميلاد أنت سعيد الآن في حياتك الأخرى التي كتبها لك خالقك، ولن تشعر بالغربة في حياتك الجديدة، فقد استبدلك الله أهلا هم خير من أهلك، وصحبة خير من صحبك...فقد سبقك الآلاف من أبناء شعبك بنفس الطريقة التي رحلت بها، وعلى نفس الأيدي التي تعشق زراعة الموت، ومن سبقوك هم في مثل عمرك، أو يكبرونك سنا، أو يصغرونك...ومنهم أطفال رضع يحلقون في حواصل طيور خضراء، سيستقبلونك جميعهم، وسيحتفون بك، وسيبنون لك قصرا في حديقة غناء، سيسكن فيها والداك ومحبوك عندما يرحلون، فأنت شفيعهم...فلله درّك...لكن دماءك التي روت تراب وطن مجبول بالدماء، ستكون منارة في طريق نضالات شعبك للإعلان عن ميلاد دولتك التي أصبح قيامها على أرض الواقع على مرمى حجر...وستحلق روحك سعيدة ذلك اليوم في فضاء أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، الذي لا يبعد عن جثمانك الطاهر المسجى في مقبرة باب الرحمة على بعد بضعة أمتار عن المسجد العظيم.
فنم قرير العين يا ولدي نم...واترك قاتلك يسبح في بحر من دم