رسائل من أحمد الجدع (51)
أحمد الجدع
الأخ المحقق المبدع : د. محمد أبو بكر حميد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الدول التي تحترم نفسها تقدر مبدعيها ، والدول التي تتطلع إلى الانتشار خارج حدودها توظف أدباءها للإشادة بمبدعيها المتفوقين ، وذلك حتى تنشر بين الآخرين صورة جميلة لآدابها وأدبائها ومبدعيها .
ومثال على ذلك ما فعلته إنجلترا مع شكسبير ، وما فعلته إرلندا مع جورج برناد شو ، وما فعلته فرنسا مع فكتور هوجو ، ولو أردنا أن نعد لأعيانا العد .
أما الدول التي لا يهمها مجدها ، ولا تسعى أن تكون صورتها بيضاء ناصعة فإنها لا تأبه لأدبائها ومبدعيها ، وقد تسعى إلى وأدهم بوأد أدبهم .
لا أريد أن أتوسع في القول ، فللقول في هذا الأمر متسع ، وأيّ متسع !
دعنا يا أخي أن نضرب لما نقول الأمثال ؛ فماذا فعلت مصر بمبدعيها ؟ لقد رفعت منهم من لا يستحق الرفع ، ولقد تجاهلت منهم من يستحق الذكر .
هل تذكر مصر من بين أدبائها العظام الرافعي وعلي الجارم ومحمد عبد الحليم عبد الله ونجيب الكيلاني وأسماء يطول ذكرها لو أردنا الذكر .
هؤلاء الرجال كانت مصر تعاديهم وتهملهم ، على أن هؤلاء الرجال من أدبائها العظام الذين يستحقون أن يذكروا في سلم الأدباء الأعلام .
ثم إن مصر حظيت بأديب عالمي العطاء ، عالمي الانتساب ، شامل المواهب ، قل أن تنجب أمه مثله .
ذلك هو علي أحمد باكثير ، صاحب المسرح العالمي ، وصاحب الأصول الثلاثة : إندونيسيا وحضرموت ومصر ، وصاحب المواهب الشاملة شعراً ورواية ومسرحاً .
ولولا أن يسر الله لهذا الأديب العظيم من جهدك وجهادك ما أبقى على أدبه وفكره ، لضاع من بين أمجادنا الحاضرة علم طويل النجاد ، ولفقدنا في سلاسل العظام من رجالنا رجلاً رفيع العماد .
من هو باكثير ؟
لولا جهادك الذي امتد ربع قرن من البحث عن باكثير ومن الكتابة عن باكثير ، ومن تجلبة عبقرية باكثير ، لضاع باكثير في زحام الزمان وتعاقب الليالي والأيام .
لقد جددت حياة هذا الأديب الفذ ببعث تراثه من بين الركام ، فجددت مسرحياته التي نشرت في حياته ، وأحييت مسرحياته التي تركها بين أوراقه ، وكان من فضلك العظيم على الأدب العربي ، بل الإنساني أنك لممت ما تفرق من شعره ، وأقبلت على تحقيقه ونشره ، فأخرجت لنا من دواوينه " أزهار الربى في شعر الصبا " ، و " سحر عدن وفخر اليمن " ، وتكاد أن تتم إنجاز ديوانين آخرين : " صبا نجد وأنفاس الحجاز " ، ثم " وحي ضفاف النيل " .
هذا الإنتاج الشعري لباكثير كنت أنت جامعه وباعثه وناشره ، فلله درك من باحث دؤوب ، ومحقق أريب .
لقد سعيت جهدك لإكرام باكثير في مئويته ، وحشدت لذلك النقاد والأدباء والباحثين وجمعتهم في قاهرة المعز التي فيها أبدع باكثير وحلق ، فقدموا دراسات في أدبه ومسرحه وشعره ، وكم كنت آسفاً ضيق الصدر أن لم أستطع أن ألبي دعوتك للمشاركة في هذا الاحتفال العظيم الذي ردّ لباكثير اعتباره ، ونبه إلى مكانته في دنيا الأدب وعالم الأدباء .
لا زلت يا أخي تكدح في عالم باكثير حتى وصلت إلى الآمال التي كنت تعدنا بها في إصدار أعمال باكثير الكاملة ، وأنا على يقين أنك سوف تصل إلى مرادك ، وأنا على يقين أيضاً أن باكثير في مرقده يدعو لك ، ويشكر لك جهدك ، ونحن أيضاً معه ندعو لك ونشكر لك جهدك .
أخي أيها الأديب الباحث الحضرمي ، لقد اقتربت أنا من عدد من رجال حضرموت ، فوجدت فيهم ولاءً صادقاً لبلادهم وحباً عارماً لها حتى إن ولاءهم وحبهم قد أصابني بالعدوى فأصبحت أنا مثلهم ولاءً وحبا .
أأذكر هنا كتابك " علي أحمد باكثير في مرآة عصره " ؟
لقد جمعت فيه انطباعات وذكريات رجال عاصروه وأحبوه ، لقد استطعت أن تصل إلى رجال كانت لهم صداقات وعلاقات مع باكثير لم يكن أحد غيرك ليستطيع أن يصل إليهم فكان كتابك هذا صحيفة صادقة لمن أراد أن يقلب صحائف باكثير .
أما كتابك " علي أحمد باكثير من أحلام حضرموت إلى هموم القاهرة " فإنه صحيفة أخرى من وثائق باكثير ، جمعت فيه مقابلاته الصحفية والإذاعية والتلفازية ، ووضعتها بين يدي عشاق باكثير ، وَمَن سوف يصبح من عشاقه عندما يقرأ أعماله وذكرياته ومقابلاته .
بين يدي الآن كتاباك " لماذا نحن متخلفون ؟ " و " أصوات بلا صدى : آراء في الأدب والنقد والثقافة " وهما إن دلا على شيء فإنما يدلان على غيرتك على أمتك وعلى تراثها المجيد وثقافتها الفذة .
أخي : أقرّ لك أنك الابن البار لحضرموت ، وكفاك هذا مقاما .
سلام عليك ورحمة الله وبركاته .