رسائل من أحمد الجدع 19
رسائل من أحمد الجدع
19
أحمد الجدع
الأخ الدكتور مأمون فريز جرار – جنين - فلسطين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبدأ بتهنئتك على إصدار الأعمال الشعرية التي تجمع دواوينك الصادرة حتى عام 2009 ، ثم أشكرك على تفضلك بإهدائي نسخة من هذه الأعمال التي بلغت صفحاتها 464 صفحة صدرت في مجلد جميل تزين الغلاف صورتك المهيبة بلحيتك التي تزحف نحو البياض ... وقد سبقتك أنا إلى بياض شعر الرأس بسنوات .
الأعمال الشعرية الكاملة تصدر للشعراء بعد استكمال أعمارهم في هذه الحياة الدنيا ، أما الأعمال الشعرية التي لا توصف بالكاملة فإنها تنبئ القارئ بأن صاحبها لا يزال منطلقاً في طريقه يبدع المزيد والمزيد ... وهو بالخيار في نوع هذا المزيد .
شعراؤنا منذ الجاهلية ما صدرت أشعارهم إلا مكتملة ، ولكنهم ما كانوا ينعتونها بالأعمال الكاملة ، بل كانوا ينسبونها إلى أسمائهم : ديوان المتنبي ، ديوان شوقي ( أو الشوقيات ) ديوان امرئ القيس ... ولم يكونوا يختارون لها أسماء إلا ما ندر ، وفي عصرنا هذا فقط ، بل في النصف الأخير من القرن العشرين ظهرت هذه الاتجاهات لجمع الدواوين في الأعمال الشعرية الكاملة ، وقد استفادت دار العودة في بيروت من هذه البدعة وأصدرت الأعمال الشعرية الكاملة لعشرات الشعراء العرب .
أخي أبا علاء : لم أفهم قولك في المقدمة : لستُ شاعراً محترفاً ، إلا أن يكون ذلك تعبيراً عن عدم التفرغ للشعر ، وأن لك جولات في ميادين أخرى في الفرع الثاني للغة ، فرع النثر ، وأنا أرى أن التفرغ للشعر لم يعد موجوداً في عصرنا ، فكل الشعراء تناولوا مواضيع كثيرة في فرع النثر ، ولكن تستطيع أن تقول : إن الغالب على هذا الرجل الشعر دون النثر ، وإن الغالب على الآخر النثر دون الشعر ، أما أنت فما عرفتك إلا شاعراً وإن كنت قرأت لك أبحاثاً ونفثات نثرية ، ولكنك تبقى رغم ذلك شاعراً .
أنا عندما أصدرت كتابي " أجمل مئة قصيدة في الشعر الإسلامي المعاصر " اخترت لك فيه قصيدة، ومجرد اختياري قصيدة من شعرك لكتابي هذا فهو اعتراف مني بأنك شاعر مميز ، لك إبداعات شعرية متقدمة تستحق أن تكون موضوعاً للاختيار .
قصيدتك " منية العمر " قصيدة متميزة ، تستحق التنويه وتستحق الإشادة وتستحق الدراسة والتحليل ، وقد قمت بجزء من هذا كله .
أخي المأمون ، المأمون على تراث هذه الأمة التي يراد لها أن تذوب في غيرها ، لا تغفل عن هؤلاء الأعداء ، ولا تضيع وقتاً سدى ، إن كل لحظة في حياتنا محسوبة علينا، نسأل عنها بم قضيناها ، الأعمار قصيرة كما تقول أنت في كثير من قصائدك ، والعدو لا ينام ليله ولا نهاره إلا ويكيد لنا ، إن في جعبته مكائد شتى وعلينا أن نتصدى لها وأن نحبطها .
في ديوانك قصائد من شعر الشطرين ، وفيه كثير من قصائد التفعيلة ، أقول لك : قصائد الشطرين هي الباقية ، وقصائد التفعيلة موجة لا تلبث أن تتحطم على صخور الشاطئ ثم تتلاشى ، ألا تتذكر الموشح ؟ أين هو الآن من الشعر العربي الحديث ، وغير ذلك كثير .
أقول لك هذا وأنا قد كتبت بعض قصائدي بهذا اللون من الشعر وأنا غير نادم على ذلك فهي مجرد تجربة ومشاركة، ولا زلت أعتقد أن الخلود لشعر الشطرين ، فهل نحن عائدون ؟!
إن عملك في ميدان النشر ميدان جديد لخدمة اللغة العربية والدين الحنيف ، واحرص أن يكون كذلك ، وما تغني الأموال كلها ، إنما الذي يغني ما تقدمه من أعمال .
بارك الله لك في أعمالك ، وجعل كل ذلك في ميزانك يوم تلقى الله .
الشاعر مأمون فريز جرار ، لا زلت في طريق الإبداع ، ولا زال الإبداع في انتظارك ، فأرنا من نفسك قوة .
أبا علاء ... سلام الله عليك ورحمته وبركاته .