رسائل من أحمد الجدع 17
رسائل من أحمد الجدع
17
أحمد الجدع
الأستاذ الدكتور محمد عبد العزيز الكفراوي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أصدرت كتابك " جرير ونقائضه مع شعراء عصره " عام 1958 م ونشرته لك مكتبة نهضة مصر بالفجالة، وأنا اشتريته حول هذا التاريخ من مكتبة الشباب للصحافة والإعلان في مدينة جنين ، ومدينة جنين هي مدينتي التي ولدت فيها ، ونشأت في أحيائها .
إن كل هذا يعني أنني اشتريت الكتاب قبل أكثر من خمسين عاماً ، واحتفظت به كل هذه السنين لأعيد قراءته مرة أخرى في هذا اليوم ( 22 / 1 / 2011 ) .
إذا قلت لك بأنني من أكثر الناس قراءة، ومن أكثرهم شغفاً بالكتب فأنا أقول الصدق، وقد بدأت شراء الكتب وأنا لا زلت طالباً واستمر هذا الشراء حتى يومنا هذا، ما لي أحدثك عن نفسي وما أردت بهذه الرسالة إلا الحديث عنك وعن كتابك .
أما أنت فمصري الميلاد والنشأة ، وإن لم أكن قد عثرت على مصدر لترجمة حياتك ، وكل ما عثرت عليه أسماءً لمؤلفاتك، فبالإضافة إلى هذا الكتاب الذي سأتحدث عنه فقد ألفت : تاريخ الشعر العربي ، والشعر العربي بين الجمود والتطور، وأسطورة الزهد عند أبي العتاهية ، وعبد الله بن المعتز حياته وإنتاجه، ولا ترجعي ، وحلم وردي يرفع الرأس .
أميل أن أصنف الكتابين الأخيرين في باب القصة أو الشعر .
أنا كلما قرأت عن فن النقائض في الشعر العربي ضاقت نفسي ، وشعرت بالغضب لما آل إليه الشعر الذي أرى أنه يجب أن يكون وسيلة بناء ، فانحرف به شعراء النقائض حتى غدا وسيلة هدم، كأنه مشتق من نقض البناء أي هدمه .
التزاحم على الحكم ألجأ بني أمية إلى محاربة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ومن كعليّ في المسلمين ، ومن هو معاوية حتى يقارن بعليّ ؟!
واضطر معاوية أن يستعين بالقبائل ، بالمال يبذله لهم ، وحشد عدداً من الشعراء يزينون القصيد في مدحه وبيان فضائله .
ثم تطور الأمر أبعد من ذلك فغضوا الطرف عن هجاء سادة المؤمنين من الأنصار، وحتى فرحوا عندما وجدوا شاعراً نصرانياً يتجرأ على هجائهم ويقول :
ذهبت قريش بالمكارم كلها |
|
واللؤم تحت عمائم الأنصار |
وكيف يكون الأنصار من اللئام ورسول الله يقول : " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق " ويقول: "اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار " ..
ولست بصائم رمضان طوعاً |
|
ولست بآكل لحم الأضاحي |
وكان الأخطل هذا واحداً من شعراء النقائض، وممن وقف مع الفرزدق وأعانه على هجاء جرير .
كانت النقائض أحزاباً : حزب جرير ومن وقف معه، وحزب الفرزدق ومن أيده .
كانت النقائض سبة في تاريخ الشعر العربي ... وأيّ سُبة !
كتابك أيها الأستاذ الجليل في أساسه ترجمة لجرير في حياته ومسيرته الشعرية ، والتفات خاص إلى نقائضه مع شعراء عصره ، وإنما عصره عصر بني أمية .
قالوا إن جريراً هاجا ثمانين شاعراً وقفوا في وجهه فأفحمهم بمعنى أنه هزمهم حتى أخرسهم ، ولم يقف في وجهه إلا اثنان : الفرزدق والأخطل .
لقد وقفت يا أستاذ الأدب العربي موقفاً صارماً من شعراء النقائض واتهمتهم محقاً بأنهم من أسباب ضعف القبائل العربية وتفرقها ، كل ذلك كان بتشجيع الحكام الذين قفزوا على سدة الحكم بدون حق ، كان الحق لعلي فاغتصبه معاوية اغتصاباً .
ثم إن جريراً لم يكن عفيفاً في هجاء خصومه ، بل إنه ولغ في أعراضهم ونهشها نهشاً، ولعل هذا ما يفسر إعراض كثير من الشعراء عن مهاجاته .
والغريب أن جريراً والفرزدق كانا من بني تميم ، كل واحدٍ منهما سليل فرع من فروعها، وكانت المهاجاة بينهما سبباً في تصدع تميم وتفكك لحمتها، وكان جرير جريئاً في الهجوم على أعراض خصومه حتى ولو كانوا من بني تميم.
لا أريد أن أطيل في هذا الحديث، فقد تحدثت في كتابك مفصلاً عن النقائض وأثرها في زعزعة بنيان العرب وفي بث العداوة والبغضاء فيما بينها .
يا أستاذنا الجليل لقد كان رأيك في النقائض رأيي ويجب أن يكون رأي كل عربي أصيل وكل محب للعرب .
أدعو لك بالخير وأشكر جهودك في الدفاع عن العربية والعرب ، فشكراً شكراً .