الرسالة (الثالثة) للمراقب العام
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى إخوانه في جماعة الإخوان المسلمين في سورية
الفهم أولاً
فضيلة المراقب العام
أبو حازم محمد رياض الشقفة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه الكرام..
إخواني الكرام، أبناء جماعة الإخوان المسلمين في سورية:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إنّ من منن الله علينا، أن وفّقنا إلى أن نكون في صفوف هذه الجماعة الطيبة، التي امتازت بفهمها الصحيح للإسلام، التزاماً بثوابته، وبرؤيةٍ متوازنةٍ وسطيةٍ في الشؤون المُجْتَهَد بها.
فالفهم السليم، هو الأصل الذي تستقيم به الأمور كلها، فإذا كان الفهم صحيحاً وسليماً، أدى إلى نتائج صحيحةٍ وسليمةٍ في العمل، أما إن شابَ الفهمَ أيُّ خلل.. فسيقع التخبط والاضطراب، لذلك قال أهل العلم: [إنّ العلمَ إمامُ العمل]، فالعلم قائد، والعمل تابع له، وقد أبدع الإمام البنّا -رحمه الله- عندما جعل الفهمَ أولَ أركان البيعة، بل قدّمه على الإخلاص، فالمخلص بلا فهمٍ سليم، يكون خطؤه أكثرَ من صوابه، لفقدانه بوصلة الاتجاه الصحيح، وقد وضع الإمام الشهيد أصولاً عشرين لفهم الإسلام، أولها: (الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً..) وختمها بالأصل العشرين: (لا نُكفِّرُ مسلماً أقرَّ بالشهادتين، وعملَ بمقتضاهما، وأدّى الفرائضَ، برأيٍ أو معصية..).
أيها الإخوة الكرام:
وأنا أُذَكِّرُ بهذه المعاني التي قامت عليها دعوتنا.. أُذًكِّرُ كذلك، بما أثمرت من خيرٍ وفير، وعطاءٍ كبير، وبَذْلٍ متواصل، وعملٍ دؤوب. ذلك أنّ الجماعةَ في سورية، من أول يومٍ انطلقت فيه بقيادة العلامة الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله -، لم تألُ جهداً في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وبَذْلِ النصح، وخدمة المجتمع، من خلال مؤسّسات المجتمع المدنيّ التي كانت تمارس أنشطتها في حدود المتاح، وإحياء رسالة المسجد، فأحبّها الناسُ والتفّوا حولَها.
عاش الإخوان المسلمون في المجتمع وفيه أخلاط من مذاهب وأديان، فكان التعايش رائدَهم، والسّلمُ الاجتماعيُّ ديدَنَهم، والحوارُ دليلَهم.
ومارس إخوانكم العملَ السياسيَّ من خلال هذا الفهم السليم، فكانوا مضربَ المثل في هذا الميدان، فلم تقيّدهم حزبية ضيقة، وغلّبوا مصلحةَ الوطن -في ممارساتهم ومواقفهم- على أيّ مصلحةٍ دنيويةٍ أخرى، ومن دلائل ذلك: رفضهم التوقيع على وثيقة الانفصال، على الرغم من مرارات عهد الوحدة، ومن الظلم الفادح الذي تعرّض له إخوانهم في مصر على يدي عبد الناصر، وذلك انسجاماً مع فهمهم بأنّ الوحدةَ مطلبٌ شرعيّ إسلاميّ، وضرورةٌ واقعية، وحاجةٌ سياسية.
ودخلت جماعتنا - حسب الواقع المتاح - معتركَ العمل السياسيّ، فخاضت الانتخابات في العهود الديمقراطية، وقبلت بنتائجها، وهو أمر أصيل في اجتهادات الجماعة، وكان لممثليها في المجالس النيابية دورٌ بارزٌ في الدفاع عن عقيدة الأمة وثوابتها.
وكان للجماعة دور مميّز في مقارعة العدوّ الصهيونيّ، أداءً لما يعتبرونه واجباً شرعياً في نصرة القضية الفلسطينية، سواءً بجمع التبرعات، أو إقامة المؤتمرات الداعمة للقضية، والخروج بالمظاهرات لتوعية الشعب بمخاطر القضية، ومطالبة الحكام للقيام بواجبهم تجاهها، ولم يكتفوا بذلك، بل لبَّوا داعيَ الجهاد، فدخلت كتائب الجهاد بقيادة الشيخ الدكتور مصطفى السباعي إلى أرض فلسطين للقيام بواجب النصرة لأهلها.
وعندما استغل نظام البغي في دمشق أحداث أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، لتصفية الجماعة بالقتل والاعتقال والتشريد، استطاعت جماعتكم المحافظة على وجودها، بالتناصر والتكافل، والصمود في وجه نظام البغي والعدوان، على الرغم من توزّعها على أقطار الأرض، وستبقى - بإذن الله - على العهد، حتى تعودَ للشعب حريّته المسلوبة، ويسودَ العدل والمساواة ربوعَ سورية الحبيبة.
(.. رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التحريم: من الآية8).
وإلى اللقاء في رسالةٍ قادمةٍ إن شاء الله، والله اكبر ولله الحمد.
يوم الاثنين في الخامس من صفر 1432هـ، الموافق لـ العاشر من كانون الثاني 2011م
أخوكم: محمد رياض شقفة
المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية