ياسين حسين

عبد اللطيف الحسيني

عبد اللطيف الحسيني

[email protected]

غسان جان كير . عامودا .

هذا هو أنت - يا ياسين -  مُقطعاً و مُشتتاً , ذهنُكَ هنا وروحُكَ هناك وقلبُك هنالكَ , فلا طابَ بك المقامُ أينما كنتَ في هذه الأرض التي قِيل عنها بأنها أرضُ الله الواسعةُ , ولا بارك اللهُ لِمَنْ ضيّقها وأضاعتكَ - نا .

يا ياسين لم تفكّر إلا  بأنانيّتكَ , فبالله عليكَ ما الذي تبدّلَ , أو تغيّر,  خاصّة وأنت الذي لازمتَ الفقرَ ولازمّكَ طوالَ عمركَ , ولو أنّ البسمة الصّفراء لم تغادرْ وجهَكَ , بل  أصدرتَها إلى وجوه الآخرين الأكثر صُفرةً وقيحا ( إنّه عصرُ القيح والقُبح بأشرس وأعنف أشكاله ) , ولأنّا نعرفُكَ خيرَ تعريف ( بربّكَ هل لك أسرار حتى نجهلكَ ؟.) لم نعهدْك إلا وأنت عابدٌ للمال , فلك بيتٌ استأجرتَه , ولديك تلفاز لا يعمل إلا بالضربات عليه حتى يُسمعّك صوتا من أنكر الأصوات حيث يتحوّل صوتُ فيروز إلى صوت فنّانة في هذا الزمن :( زمن البغايا ) , وكنتَ تملك غسالة لا تعود إلى زمننا الأغبر الرماديّ الذي أنكره جدُّنا صاحب اللحية الفوضوية :( ماركس ) , وعندك ( ببور ) يعمل على الغاز كانت الأُسرُ الميسورة تتمنّاه لها قبل خمسين عاما ( فسحقا وتبّا لعمركَ الذي ضيّعته في الكتابة والقراءة )

بربك ماذا تريد وأنت الذي كنتَ ترفّه نفسَك في الأسبوع مرّة واحدة بوجبةٍ دسمة من فلافلنا التي إنْ شممْتَها تكره الدنيا وأطعِمَتَها من كثرة ما عبّأنا بطونَنا من هذه الفلافل التي شتمها وأصحابها ( حنا مينه ) تجنيّا عليها .

لم تملك مُكيّفاً – نعلم ذلك قبلكَ – في هذا الصّيف- الأصياف التي جُعلتْ قطعة من الجحيم مُنصبّة على وفي قلوبنا بفضل وكرم العباد غير المحسوب و غير المحسوس , لكنْ - يا ياسين - كانت لديك مروحة سقفية يسمعُ الجيرانُ صوتها حين  تدور بها الدوائرُ "وما أدراك ما الدوائر ؟ " ونعلم أنّ المروحة تلك التافهة تعطّل قلبُها ولم تسأل عليها , ولماذا تسأل وقلوبُ البشر قد تعطّلت وأذهانُهم , إنّنا نوبّخك ونعنّفكَ :كانَ بإمكانك أنْ تكيّف نفسك وأُسرتك بمروحة قَشّ كان جَدُّ جَدّكَ يستعمُلها أيّام سفر برلك ( وهل أنت أفضل من ذاك الجد ) ؟

كنتَ تسكنُ في بيت مُتداع لولا ربُّكَ الأعلى لتهاوى على رأسك وعلى تلفازك , بيتٌ يأويك من الذئاب ومن زمهرير الشمال الذي يوفر عليك " المازوط " , لن نأتي بالحديث عن ملابسكَ القليلة , فما عليك إلا أن تحمد ربَّكَ على معطفكَ ( الغوغولي ) الذي لم يُبلَ منذ ربع قرن , يبدو أنك نسيتَ كيف كنّا نُرقّع ثيابّنا أيامَ الخير والبركة ؟, ربما تقول هل من عائلة تعيش بعشرة آلاف ليرة طوالَ شهر مدجّج بهموم تساوي خمسة وعشرين ألفا قبيحا .

إليك هذه الفاتورة التي يجب أن تتكيّف معها حين كنتَ معنا في هذا العِواء : إن تكلفة الفطور لا تساوي إلا خمس ليرات وربع , فإبريق الشاي يُحضّر ب "واحد غرام " ليكون لونُه أقرب إلى الاصفرار منه إلى الاحمرار- وإن شئتَ - ألا يكون له أيُّ لون مثل زمن لا لون له ولا طعم ولا ذوق " .لا تنسَ أنْ تفتّتَ خبزك "البايت" في ذاك الشاي الذي تعطيه بعنف ل ( بيريفان ) وبشرط أنْ تنبّه زوجتك أنْ تحتفظ بذاك الشاي لتقدّمه لضيوف ثقلاء -غسان وعبد اللطيف: مثالين فظّين-  يطرقون بابَكَ في وقت كنتَ تفكّر بأن الشاي ذاكَ ادخرتَه لفطور قادم : أَسمعُ خفقَ أجنحةٍ .... سلاماً للحياة .

-      ما أخبار حاسوبكَ الذي لم تدفع أقساطه بعد ؟

ماذا تأكل الآن ؟ ونحن على علم ما كنتَ تأكله عندنا وتواظب عليه في غدوك وعشائك , وهو سندويشة ربّ البندورة مفتت عليها النعناع اليابس يا صاحب العقل اليابس .

ما هذه الرفاهية يا ياسين , فلديك الهاتف والكهرباء والماء , ألا تتذكّر كيف كنا نعيش قبل قرن – اتّقِ الله يا رجل .

من أين كنتَ تأتي بخمسمئة ليرة لتقومَ بواجب "شيرانيّ " :( يجب أن تُقرأ هذه الكلمة بالكردية ) – طنش ,. تعش .

أنتَ بطران ! لماذا كنتَ ترمي بأعقاب سجائرك وقد بقي فيها بضع مليغرامات من تبغ لم يحترق ؟ ألم تستطع أنْ تجمع خمسة أعقاب لتصنعَ منها سيجارة فاخرة من نوع "كولواز تهريب "  ترحّب بكم .

مَنْ أجبرك يا ياسين أن تستدين كلّ أسبوع خمسمئة ليرة ثمناً لدواء والدتك وأنت الذي رددْتَ عليها ثمنَ مئة تنكة حليب من التي أرضعتكَ .

عزيزي ياسين : هذا الزمن الخؤون خُلق لغيركَ , فادفنْ نفسَك حيًّا في نعش وأرسلْه إلينا لنقومَ بالواجب  , لكنّ السؤالَ الجوهريّ : مَنْ سيدفنُنا ,؟ ومَنْ سيقوم بالواجب إنْ دُفنّا أحياء ؟.  

-  ياسين حسين : شاعر و مترجم كردي معروف , له العديدُ من النشاطات الثقافية , و له كتابان مطبوعان , وكتاب ثالث تحت الطبع .