من أب إلى ابنته
د. موسى الإبراهيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه أجمعين وبعد :
بنتي الغالية الحبيبة أم جهاد رعاك الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . لقد قرأت رسالتك الشفافة الحانية اللطيفة ولمست فيها ما عهدته منك من عاطفة صادقة جياشة وأدب جم رفيع وصدق في اللهجة وسمو في البيان والتعبير وفوق ذلك كله من نقاء سريرة وسمو في التفكير وعمق في التعبير عن خلجات القلب والضمير بعفوية وإخلاص .
أي بنية : وفقك الله وجزاك عني خيراً وأحسن ظنك بي دائماً وإن كنت بالتأكيد لست من يستحق كل الثناء العاطر الجميل اللطيف الذي فاضت به رسالتك الغالية ولن تغرني الكلمات العذبة البريئة فأصدقها وأنا العارف بنفسي وعيوبها وقصورها ورعونتها ولكن هذه المعرفة بالنفس لا تقلل عندي من القدر العالي والأدب الراقي الذي أبى إلا أن يدخل القلب ويجلو العقل ويحرك العاطفة ويستجيش المشاعر ويمر على العين فتذرف الدمع السَّخي الجواد الهتون .
نعم يا سمية لقد قرأت نبضات قلبك وتحنان مشاعرك فلم أتمالك نفسي ولم أستطع التعبير عن الأشجان ففاضت عيناي بالدمع الهتون واضطرب القلب وازداد عنده الخفقان واهتز مني الكيان وحار الأهل من حولي : ما دهاني وما الخبر وأي حبيب أبكي عليه ولم أتملك جواباً غيرأني تركت الرسالة من يدي ليعرف الجميع حقيقة الخبر ومن أراد منهم أن يعتبر .
والآن بعد هدوء النفس أعود لأقول :
ـ هل السمو من سمية أم سمية من السمو تكون ؟
وصدق الرسول الكريم : لكل اسم من مسماه نصيب .
وإنني لأضع رسالتك هذه في رأس فهارس مراسلاتي ولعلها تجد طريقها للنشر يوماً تعبيراً عن الود والحب والحنان وعن الأدب والإبداع في تصوير المشاعر . مشاعر الأبناء والأدباء نحو الآباء وقديماً قيل : كل فتاة بأبيها معجبة ولكن يندر من الفتيات من تجيد التعبير وترسم العواطف بسحر البيان وأخيراً نابني شعور من نوع آخر عندما قرأت تاريخ الرسالة وأنها كانت يوم الجمعة 19/5/2006 ونحن اليوم في يوم الجمعة 3/11/2006 وقلت :
ـ كيف تكتم لي سمية هذه المشاعر قرابة ستة أشهر ؟! إنه لعجيب !
أي بنية :
أتمنى أن تعيشي حياتك كلها سعيدة بكل ما للسعادة من معاني سامية وأن تكوني أكبر من تفاهات الحياة وكدرها الذي لا يخلو منه بيت وقل أن يدفع عنه عوام الخلق إلا من رحم الله ، وقديماً قيل :ويل للشجي من الخلي . الشجي ذلك الإنسان الذي يمتلئ قلبه وعقله بالمعاني والقيم والاهتمامات والأشجان والهموم الكبيرة والطموحات العالية ، والخلي ذلك الإنسان الفارغ من جميع تلك المعاني الخالي البال إلا من همِّ الجسد ورعوناته من الطعام والشراب والشهوة فضلاً عن سفاسف الأمور التي يملأ بها فراغ قلبه والحقد والغل والحسد والكبر والجهل نعم ويل للشجي من الخلي وما أقل الأشجياء وما أكثر الأخلياء !!!
إي بنية :
إن صاحب العقل والعلم والأدب هو من يستطيع أن يرقى بنفسه وبمن حوله إلى الأعلى دائماً . وهو من لا تهزه العواصف ولا تعكره الأكدار وهو من يستطيع معايشة الخلق على أحسن ما عندهم من خصال ويتسامى عن الصغائر والترهات ولا يشغل باله بها ليقول عنه الناس بلسان حالهم إن لم يكن بلسان المقال ـ هذا في غير ما نحن فيه الناس في واد وهو في وادٍ آخر ، وما أجمل كلمة الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله التي كان يوجه بها إخوانه وحوارييه :
كونوا مع الناس كالشجر يرمونها بالحجر وترميهم بالثمر !!!
وما أعظم حكمة النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال موجهاً ومعلماً ومربياً :
المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم !!!
وما أبلغ ذلك الشاعر الذي قال :
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
إن المعادلة الصعبة هي المحافظة على السمو وسط هموم الحياة وعكر الأيام ولكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر .
وأمسك بزمام قلمي عن الاسترسال في تصوير ما أثارته في نفسي رسالتك الأثيرة سائلاً المولى أن يهيء لك ولأولادك ولزوجك ولسائر إخوتك وأخواتك وأحبائك سبل الحياة السعيدة الكريمة الفاضلة إنه تعالى كريم مجيب والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .