محمد القيسي شاعر " الجرح الفلسطيني "

محمد القيسي شاعر " الجرح الفلسطيني "

في ذكرى وفاته

توفيق الشيخ حسين

[email protected]

نهار هادئ .. ساطع كنجمة صبح .. ضـّم يديه على جرحه .. وفي قلبه نداء لاهف ..وعلى شفتيه صلبوا حنين الحرف .. كان يحيا عمره دون كلام .. فهو دوما صامت الحرف يعيش الكلمة .. ليس لديه القدرة أن يصرخ .. السكاكين تغرز في القلب .. انطفأت الأغاني هذا الصباح .. ومضى عنا وما عدنا نراه .. حمل آلامه ومضى عبر دروب شائكة .. ظل في ضمير الغيب مغلق ..

 أضم ّ يدي على جرحي

 وأخنق في قرار القلب تنهيدة

 وأمضي في الأسى وحدي

 وليل الصمت يطوينـــــي

رحل عنا الشاعر محمد القيسي في صبيحة الجمعة الأول من آب عام 2003 عن 59 عاما وأربعين كتابا ً توزعت بين الشعر والسيرة والرواية .. عشرين مجموعة شعرية بدأت بمجموعة " راية في الريح " عام 1968 وانتهى بمجموعة " منمنمات أليسا " عام 2002 .. وترك في مجال الكتابة النثرية الموازية للكتابة الشعرية سبعة كتب متنوعة ابتدأت بكتاب " أرخبيل المسر ّات الميتة " عام 1982 وانتهت بكتاب " أباريق البلور – يوميات صحراوية " عام 2002 .. فضلا عن كتابين للأطفال وكتاب آخر يمزج بين الشعر والنثر وهو " ثلاثية حمدة " الذي يضم " كتاب حمدة – كتاب الأبن – كتاب أوغاريت " ورواية سير ذاتية بعنوان " الحديقة السرية " عام 2002 ..

أي ّ هوية تحمل ؟ .. أين تذهب ؟ .. خلف الحلم الهارب منا .. الحلم النائم في أيواء الغيب .. تتجسد المأساة في نظرات الأصحاب .. وما حسبوا بأن الحرف بحر .. ويظل لغزا ً في العيون ...

 أي ّ هوية تحمـل ؟

 فلسطيني

 أجل اني فلسطيني

 هويتي العذاب يظل مصلوبا ً على وجهي ويد ُنيني

 وأعبر دربي المزروع بالنظـرات والعتمــــة

 وأعبر دونما كلمة!

سلاما ً يا طرقات الأرض .. عبرَ إليك ِ جسر الحزن غريبا ً .. وقرأ تأريخ الضياع ونهل َ من كأس الصبر سياط الغربة وعاش غريبا ً تحت الشمس .. فكيف يغيب من في القلب .. وفي الأحداق تنمو جذور الحزن والالآم والوحشة ..

 ترى من سيخبر الأحباب أنـّا ما نسيناهم

 وأنـّا نحن في المنفى نعيش بزاد ذكـراهم

 وأنـّا ما سلوناهم

 فصحبتنا بفجر العمر ما زالت تؤانســــنا

 وما زالت بهذي البيد في المنفى ترافقنـــا

برحيله فقد الشعر العربي واحدا ً من أكثر الشعراء الغزيري الإنتاج في جيله ..بات صوته أشد تميزا ً في غنائيته .. الصوت الذي يسري في كل عرق نابض من جسده .. ويأخذ صدى ندائها يتجاوب داخل الأعماق .. فيتذكر حزن الطفولة والغناء الذي كان يسمعه من أمه .. هذا الغناء والصوت الشجي ّ والملئ بالأسى الذي كان يسرد حكاية الطرد ويحكي عن الهم البعيد .. والذي كان أول محرك داخلي باتجاه الغناء ..

 أسمع أغنية من غـور أريحا

 وأنا تحت سماء ٍ أخرى

 فتناديني أمي .. وتناديك دماي

 ويناديك غنائي الطالـع

 من حزن طفولتنا الموقوفة في الأسر

 ومن فرح القلب , وتقطيب الشارع

وتبقى الحبيبة تطرز تأريخ فلسطين ثوبا ً جديدا ً .. وتنسج راية وتحتضن الأطفال والشيوخ والنساء .. ويبقى الحب الصموت كالنبع .. ينبت في الأرض ويخرج عشبا ً ند ّيا ً .. وتبقين وشما ً أخضر فوق الذراع ..

هكذا يبقى الشاعر الراحل " محمد القيسـي " في القلب دائما ً وكما يقول :

" لا تنتهي الحياة الا في الصمت " وما دامت الكتابة تقول وتجد مساحتها في القلب والورق فهذا يعني ان نبض الحياة ما زال يسري وان الكلام ما زال قابلا ً بلا فضاء ...