أستاذي دومي
معمر حبار
درست الفلسفة لدى 3 أساتذة، بثانوية بوقرة بالشلف إلى غاية 1986، سنة إمتحان البكالوريا، التي تعلمت في أقسامها الكثير، وكتبت عن أساتذتها الذين تركوا أثرا ومازال التلميذ يفتخربه ويكتب عنه ويعلنه..
الأستاذ زيدور.. بقي الأستاذ زيدور مع تلامذته أقل من شهر، لأسباب مازال التلميذ يجهلها. إمتاز بالصوت الجهوري، الذي مازال يرن في الأذن، ويعيد التلميذ على مسامع أبناءه طريقة الإلقاء الجذابة لأستاذة، كعبارته المشهورة "نصهرها في بوتقة واحدة"، التي يرددها الأستاذ بصوته الجهوري، فيرتج لها القسم، ضف لها تمكنه في المادة، وضبطه التام للقسم.
أستاذة الفلسفة.. كانت تعرض مقالاتي على الطلبة بإعجاب شديد، وتردد المصطلحات التي أستعملها وأقولها في القسم، وعبر الورقة المزدوجة+.
ومما علق بالذاكرة، ومازال يفتخر به التلميذ، أثناء إمتحان البكالوريا لسنة 1986، راحت الأستاذة تسأل الزملاء بلهفة شديدة ..
ماهو السؤال الذي أجاب عنه حبار؟. هل أحسن حبار الإجابة؟. ماهي الطريقة التي إتبعها في الإجابة؟.
ولم يهدأ لها بال، إلا بعد أن تم اللقاء، وأعلمتها بالإجابة والطريقة، ففرحت فرحا شديدا بإجابة تلميذها، وفرح التلميذ ومازال يردد، موقف أستاذته الذي لاينساه أبدا.
الأستاذ دومي.. أما عن أستاذي دومي، فقد كان أشدهم تأثيرا، لأنه درسني في العام الأول مادة الأدب العربي، وهو المتخصص في الفلسفة، لأنه في العام الأول لم يكن هناك منصب مالي لمادة الفلسفة ، فمنح له تدريس الفلسفة في إنتظار العام القادم، وفي العام الثاني درست عنده مادة الفلسفة.
كان كثير المطالعة، دخلت بيته الكائن يومها بمنطقة 5 بالشرفة، فلا تجد غير الكتب، منتشرة عبر كامل البيت، وبكمية كبيرة جدا. كان بليغا فصيحا، ثريا في معلوماته، يمتاز عن غيره من الأساتذة بسعة الإطلاع.
مازالت صورة الكتب الكثيرة المنتشرة، يحتفظ بها التلميذ، ويعترف أنها من الأسباب القوية التي دفعته لاقتناء ومطالعة الكتب باستمرار، ودون كلل ولا ملل.
بن نبي كما يراه أستاذي دومي.. كان حين يتطرق للمفكر مالك بن نبي، رحمة الله عليه، يقول.. أقول دائما سيكون لمالك بن نبي ، نفس مصير إبن خلدون.
لم يعرف التلميذ قيمة هذه المقارنة، إلا بعد أن إشتد عوده، وراح يغوص في كتب وأفكار بن نبي، فعلم أن إبن خلدون جهله العرب مدة 04 قرون، إلى أن جاءت أوربا، فأزالت الغبار عن المقدمة وسلطت الأضواء عليها، فقرأها أحفاد ابن خلدون وهم أهلها وأصحابها، بواسطة الأوربيين وبفضل مجهوداتهم.
وكان هذا الموقف، مما يحفظه التلميذ جيدا، ويردده دوما، وكان له أثر في توجه التلميذ في الإهتمام بفكر مالك بن نبي، قراءة وتعليقا وكتابة.
صوت التلميذ.. كان الأستاذ دومي معجب كثيرا بصوت تلميذه وبطريقة قراءته، فكان يقدمه في المناسبات، ليلقي على مسامع الأساتذة والطلبة آيات بينات، ويفضله على غيره من زملاءه في قراءة النصوص.
فلسفتنا و إقتصادنا.. يعترف التلميذ، أنه سمع لأول مرة إسم الأستاذ باقر الصدر من الأستاذ دومي، وكان يردد على مسامعنا كتابه "فلسفتنا" و "إقتصادنا"، وبأنهما الأفضل في مجال الاقتصاد والفلسفة. ومازال التلميذ يتساءل، ويقول.. ماسر إهتمام الأستاذ دومي، بباقر الصدر وبكتبه؟.
إعجاب الأستاذ بتلميذه من جديد.. بتاريخ الجمعة 06 جمادى الثانية 1436 هـ الموافق لـ 27 مارس 2015 ، نشرت مقالا، فجاءني تعقيبا من أستاذي، ففرحت أشد الفرح، فعبرت عن جزيل الشكر في حينها عبر صفحتي، فقلت..
تعقيبا على مقالي.. "خواطر من معرض الكتاب" .. يكرمني أستاذي دومي.. في مادة الفلسفة ، بكلمات من ذهب، ويقول لي..
"بسمه تعالى لا زالت رنات ترتيلك لأواخر سورة الزمر المباركة تهز علي كياني وتحرك مشاعري كأفضل ما يكون الإنصات المتأثر من قارء إلى مستمع أتمنى لك التوفيق وتمام الصحة والعافية بلغ سلامي للجميع.
ويفضل التلميذ، أن ينهي مقاله بهذه الخاتمة التي تحيي القلوب، وتعيد للأيام مجدها، وللطفل براءته، داعيا لأستاذه دومي، كل السداد والتوفيق، فيما يخدم العلم، والجزائر، وتلامذته وآهله وأحبابه.