ذكرٌ عطِر
الأديب الأستاذ محمد الحسناوي- رحمه الله-
ذكرٌ عطِر
نبيلة الخطيب
وتمضي السنون تمخر عباب الزمن المتلاطم، حاملةً معها راكبيها إلى مرافئه المختلفة، فمنهم من ترسو به في مرفأ اللاوعي، ومنهم من تودعه في مرفأ اللاشعور، ومنهم من تحفظه وتحتفظ به في مركز الذاكرة الإنسانية أو الإبداعية أو الجهادية ، وهؤلاء هم القليل من الآخِرين في زمن القبض على الجمر.
وأستاذنا محمد الحسناوي – رحمه الله- من هؤلاء الذين آثروا السلامة في الدين عَبر أرض الله الواسعة، على تمتع زائل في الدنيا محروم في الآخرة.
فكان شعاره رحمه الله { وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى} وكما قيل من ذاق عرف.. والمرحوم من أحفاد من صرخ بأعلى صوتٍ ( فزت ورب الكعبة) و السيف يفلق هامته فيُصعق الضارب.. كيف يفوز
وهو الهالك المفارق!! فلما أسلم قال: الآن عرفت معنى هذه الكلمة .
كم من مارّ لا يترك له فيك أثرا أو خطرا .
ورب خاطر لا يفارق حتى تمتلئ به النفس ويتزود به العقل والفكر.
فما عرفت المرحوم إلا ساكنا وقورا، يبدع في الاستماع والصمت الرائق إبداعَه في التعليق والتعقيب، من غير طِلبة ولا إظهار .
عرفته شاعرا صاحبَ قضية، لا يحسن القول فقط، بل يحسن الإلقاء منفعلا به ناهضا، وسامقا بالفكرة مشعا في جوانبها مشبِعا في حواشيها ومضامينها .
عرفته ناقدا صيرفيا ثابتة معاييره، دقيقة موازينه، منحازاً ابدأ إلى مبدئه انحيازَه إلى الرونق والإبداع، لا يداهن أو يغضي على قذى، كل ذلك برفيع أدب و ذلاقة قلم و شفافية روح .....
لأستاذي الحسناوي- رحمه الله- أيادٍ بيضاء علي، فقد بثت له الإذاعة الأردنية برنامجاً أدبياً ألقى فيه الكثير من الإضاءات على تجربتي الشعرية، وقد شاركه في ذلك البرنامج الدكتور عودة الله بن منيع القيسي - أطال الله عمره- كما وخص المرحوم ديواني "صبا البادان" بدراسة قيمة ضمنها كتابه "دراسات في الشعر العربي"، فرأيته نهراً دفاقا وغواصاً بارعاً يريك ما لم تره وأنت الكاتب ويقطف ثمرات بستانك وأنت الزارع ويحصد حقلك وأنت الباذر.
لقد كان لي شرف المشاركة مع أستاذنا الكبير في أمسيات ومهرجانات عدة في رابطة الأدب الإسلامي وخارجها.
كنت أراه فأرى فيه الوالد والمعلم و القدوة.
سبقتنا يا أبا محمود، ونحن بالأثر، وغداً نلتقي في ما نحب أن نلتقي فيه- إن شاء الله- و نعمل من أجله في جنات و نهَر في مقعد صدق عند مليك مقتدر...