وقال صاحبه في السجن(16)

فاطمة محمد أديب الصالح

وقال صاحبه في السجن

( من ذكريات رجل غُيّب في سجن تدمر عشرين سنة)

فاطمة محمد أديب الصالح

[email protected]

(16)

هـ. ح

لم يكن التثبت من تنفيذ حكم الإعدام بسجين ما ممكناً دائماًً، حتى لو كان السجين قد بُلّغ بذلك خلال محاكمته العسكرية الصورية.

يقول صاحب(هـ. ح) في المهجع(7) ما يزيد عن سبعة أشهر*:

كان(هـ) يسكن في حي المهاجرين في دمشق، وكان أهله ميسورين وغير متدينين، هداه الله وتعرف إلى جامع قريب من بيته،  قيل أنه سار مع الطليعة، اعتقل أواخرسنة( 81)، بعدي بقليل، ربما بعد حادثة الأزبكية، جاؤوا به إلى تدمر،  فاجتمعنا أوائل فترة سجني.. وبعد تفرقنا وانتقاله إلى المهجع رقم أربعة حاولت تتبع أخباره قدر المستطاع، عرفت أنه سيق إلى الإعدام من ذلك المهجع( مابين سنتي85-86).

 كان من المضحين المتفانين، متواضعاً ومعنوياته عالية، ختم القرآن، وكان يطلب مني أحياناً أن أسمع له بعض الآيات التي حفظها من قريب.

كان كثير القيام والذكر والدعاء والتضرع إلى الله تعالى.

كان يضرب كثيراً، مرة كسرت يده أثناء التحقيق في باحة الذاتية، وانجبرت بصورة غير صحيحة.

ضربوه يوم المحاكمة كثيراً، فالرقباء يراقبون من يحكم عليه بالإعدام، ويعلّمونه(1) ثم يتحينون كل الفرص لضربه ورفسه.. يتبعونه من مهجع إلى مهجع، يقال له مثلاً: عندما أسأل عن ال.. أو ال.. تخرج(2)، وفعلاً إذا فتح باب المهجع ونادى: أين ال.. أين ال..؟ يخرج الأخ المعلَّم سابقاً.

جاءته زيارة قبل إعدامه بفترة بسيطة. ثم أوصى الشباب بزيارتهم وتبليغهم بإعدامه، وعندما خرج للإعدام أعطى ساعته لصاحب مقرَّب منه، على أساس أنها علامة لأهله.

كيف نتحقق أو نرجح أن الخارج من عندنا أعدم؟

ننظر إليه من شقوق الأبواب، الإعدام يتم في الساحة السادسة، فإذا اتجه إليها كان إلى الإعدام، وإذا اتجهوا به إلى الباحة الأولى أو باحة الذاتية/ القلم(3)، فربما من أجل أن ينقل إلى الفرع الذي اعتقله للتحقيق، أو إلى سجن آخر أو للتحقيق معه في سجن تدمر نفسه، نسمع الضرب والصراخ..

 لم يكن( هـ) متزوجاً، اعتقل وهو في السنة الأولى من كلية التجارة.

                

الهوامش

* بلغة صاحب التجربة وأسلوبه ما أمكن.

1. يجعلون له علامة يعرفونه بها حين يأتون لضربه، والتعليم مصطلح معروف جداً في تدمر.

2. رفض صاحب هذه الذكريات رفضاً قاطعاً أن أذكر الكلمتين المستخدمتين هنا، لأنه يرى فيهما: " إهانات لا نعترف بها ولا نقبلها، ولا تمثل إلا قائلها ولا تعبر إلا عن مقامه هو، فماذا تتوقع من الجلادين وجلاوزة النظام أن يقولوا؟ كلهم ذوو مسنويات حقيرة".

3. باحة الذاتية هي الباحة التي ينام فيها الرقباء، وفيها أيضاً الغرفة التي تضم  ملفات المساجين، التي يسجل فيها كل ما يتعلق بالسجين بدءاً بـ(ذاتيته) أي المعلومات الشخصية، إلى كل ما مر به أو طرأ على حالته: التنقلات، الزيارات، المرض.. وحتى الإعدام.