وقال صاحبه في السجن(15)
وقال صاحبه في السجن
(من ذكريات رجل غُيّب في سجن تدمر عشرين عاماً)
فاطمة محمد أديب الصالح
(15)
ص.أ
كيف يكون أميناً مع الخائنين؟
كان حزنه على الأبرياء أكبر، وكان شبابه أكثر غيرة وحماساً واندفاعاً من أن يستطيع السكوت.. وكيف يسكت وقد تأكد له أن مجزرة تدمر حقيقة ذات أرقام وبيانات؟
يقول صاحب في السجن* لم يره، بل سمع أخباره ممن كان معه مدة من الزمن لم تطل:
أنهى(ص) الثانوية العامة وسيق إلى الخدمة العسكرية, لكنه في الوقت نفسه انتسب إلى الجامعة ولعله اختار كلية التجارة، دبر له عمه واسطة(1) فصار مدير مكتب طلاس(2), يستلم البريد ويوزعه ولديه الصادر والوارد ويعرف الأخبار من هناك, حتى إنه مرة وصله كتاب سري عن مجزرة تدمر وهو الذي نقل أخبارها إلى الإخوان, ولعل ذلك كان سبب إعدامه, حتى أسماء بعض المعتقلين و المقتولين يبدو أنه رآها.
اعتقل عام 81.حقق معه الضابط تركي علم الدين، ولما عرف أنه مدير مكتب ( طلاس) اضطرب ونهض بسرعة وأجرى اتصالات: انتبهوا، غيروا العناصر، لعل هناك مؤامرة اغتيال. حكى لي سجين كان مع( ص).
تواصَوا به في الاستقبال بتدمر، كل واحد من الشرطة العسكرية يتواصون به في التعذيب
( يعني هذا خيانته أفظع لأنه في الجيش)، فيضربونه داخلين خارجين: أين هو.. يخرجونه أو يدخلون إليه فيضربونه ويرفسونه، عانى كثيراً وساءت حاله الصحية، ولعل الإعدام كان رحمة له.
كان عالي التهذيب أخلاقه عالية، فدائياً ومتفانياً في خدمة الإسلام.
* بلغة صاحب التجربة وأسلوبه، ما أمكن.
1. لأن البقاء تحت رحمة ضباط الجيش في المعسكرات، تحول مع الزمن إلى عملية ممنهجة لإذلال أي مجند مستقيم، سنّي أو غير بعثي، ومن أبسط الأمور أن الواحد منهم كان لا يستطيع أداء الصلاة إلا خفية، إذ كان ثمة تفاهم غير معلن( أو معلن) بأن الصلاة محظورة، وتربط الملتزم بها مباشرة بجماعة/ عصابة الإخوان المسلمين
( العملاء الخونة الذين يقسم تلامذة المدارس كل صباح على سحقهم وإبادتهم) . وهكذا صار مجندو الخدمة الإلزامية يسعون إلى التهرب بالواسطة، ويفضلون خدمة أي ضابط كبير في مكتبه! مثل التنظيف وصنع القهوة والشاي أو تدريس الأبناء أو قيادة إحدى سيارات العائلة؛ فهذا على أية حال إذلال لا يتسم بالعنف وقسوة الحياة اليومية.
2. مصطفى طلاس وزير الدفاع آنذاك.