وقال صاحبه في السجن(4)

فاطمة محمد أديب الصالح

وقال صاحبه في السجن *

(من ذكريات سجين غُيِّب في سجن تدمر عشرين سنة)

(4)

أ. م

فاطمة محمد أديب الصالح

[email protected]

ماذا لو لم يعرفوا أنه ليس المطلوب، من ذا سيسأل ومن ذا سيهتم بالتحقيق  وإثبات الخطأ في سجن قيل فيه للسجناء بوضوح: نحن مخوَّلون بقتل أربعة بالمائة منكم(1).

واجه أ.م موقفاً لن ينساه إلى أن يلقى وجه ربه.. كان سببه المباشر استهتار السجانين ورؤسائهم بعملية استدعاء المحكومين بالإعدام، استهتار لعله ناشئ عن كون المحاكمات صورية مقررة النتائج سلفاً، أو عن ذلك الشعور المريض بالسيطرة الكاملة والتحكم المطلق، وبأنهم_ معاشر الجلادين والسجانين والمديرين وكبار المسؤولين_ لا يسألون عما يفعلون، وكأنه_ سبحانه وتعالى_ غير موجود في حسهم الغليظ الذي فقد أخص خصائص إنسانيته.

قال صاحب( أ. م) في السجن ناقلاً ما سمعه منه:

 من مواليد62 وأصله من جزيرة أرواد القريبة من اللاذقية،أصله من جزيرة أرو ويبدو أنه اشتغل مع الإسلاميين فلوحق، هرب إلى قبرص في باخرة، وذهب إلى السودان، يعني صار يعمل على باخرة، مرة كان متجهاً إلى اللاذقية فعلم به بعض الأهل ومن شخص لآخر وصل الخبر إلى زوج خالته، فأخبر عنه، وصعد الأمن إلى الباخرة واعتقل عام81، قبلي.

أول وصولنا إلى تدمر كانت هناك حفلة إعدام، وأخرج واحد من المهجع الذي وضعونا فيه

( حافظ. ب) للإعدام، فكان (أ) خائفاً ومتأثراً وحذرنا كثيراً، ولم يكن في حالة نفسية طيبة.

بقينا معاً أربعة أشهر ثم ضاق المهجع علينا فنقلوه مع أربعة آخرين إلى المهجع31.

انقطعت أخباره عني حتى اجتمعنا عام91، حكى لي قصته:

مرة كان هناك إعدام(85-86) نودي واحد اسمه( أ. م) يريدون إعدامه، حتى اسم الأب واحد، أخرجوه بسبب هذا التطابق، سألوه عن اسم أمه، لكن الرقيب كان على عجل فقال: هذا هو أخرجه.

طمشوه( عصبوا عينيه) وكلبشوه( قيدوا يديه) وساقوه إلى الإعدام، لم يكن قد حوكم بعد، وضعوه في الورشة(2) كان رعباً فظيعاً، رأى الموت بعينيه.

قبل التنفيذ مباشرة تقرأ الأسماء فلما قرئ اسمه صاح: والله سيدي مو(ماهو) أنا، أنا لم أحاكم، ما اسمك؟ تحققوا منه وعرفوا من اسم أمه أنه ليس هو.قال القاضي وقد أزعجه الموقف: أخرجوه وهاتوا الآخر، ووضعه المساعد في مهجع آخر. ركض إليه إخوانه، كان في حالة رعب وظل يتوقع إعدامه على مدى ساعتين، لدى انتهاء التنفيذ تقرأ قائمة جديدة لمن سيحاكمون، عندها اطمأن وصدق أنه نجا من الموت.

كان مشدوهاً وهو يتحدث.

ثم شاركته قصعة(3) واحدة في المهجع نفسه، جاءته زيارة بعد خمس عشرة سنة، بعد زيارتي بشهر أو اثنين.

كان ثمة ثلاثة بالاسم نفسه( أ. م) في السجن.

تركته في صيدنايا(4)، وكان وصلها بعدي، أسأل الله أن يكونوا قد أفرجوا عنه.

          

الهوامش:

* حاولت الحفاظ على كلام صاحب التجربة وأسلوب سرده الشفهي بصورة شبه تامة.

(1)   قيل هذا بضع مرات لدفعات من السجناء الذين سيقوا إلى سجن تدمر في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي.. وذلك حين تبدر أمارات اعتراض أو شكوى من أن التعذيب أو الحرمان يكاد( يقتل) السجين.

(2)   المهجع المخصص لاستقبال المحكومين بالإعدام، يجمعون فيه بعد استدعائهم من مهاجعهم، ويغلب أن يكون السجين قد حوكم وعرف حكمه. ومصطلح( ورشة) معرب من

Workshop

بالإنجليزية، فورشة تدمر إذن( معمل)!

(3)   يعني مجموعة طعام، وكان المهجع يقسم إلى عدة مجموعات يأكل أفراد كل مجموعة معاً ويتقاسمون مسؤولية الإعداد والنظافة، والمتحدث( وقد سجن عشرين سنة) يستخدم مصطلحات هي بالنسية له مسلمات لطول معايشته لها، وإن بدت للمستمع بحاجة إلى بعض التوضيح.

(4)   أي سجنها. وانظر الحاشية السابقة.