تحية لربان شط العرب
عماد علو
لقد عرف العرب السفن وركوب البحر منذ عصر ما قبل الإسلام ولاسيما سكان السواحل، ويرجع هذا الأمر إلي طبيعة الأرض العربية وموقعها الجغرافي المطل علي البحار والمحيطات، فقد كان لأهل اليمن صلات تجارية مع الحبشة والهند. وكذلك أهل العراق الذين وصلوا إلي الصين بسفنهم ، غير أن عرب نجد والحجاز كانوا اقل دراية ودربة بفنون البحر ، وربما كان هؤلاء هم الذين عناهم ابن خلدون في مقدمته بقوله (أن العرب لم يكونوا أول الأمر مهرة في ثقافة البحر وركوبة) ، والحقيقة أن هناك كثيرا من الأدلة التي تؤكد معرفة العرب للملاحة البحرية وبناء السفن ، ومنها قول الشاعر (عمر ابن كلثوم ألتغلبي) يفخر بقومه وما بلغوه بقوله:
ملأنا البر حتى ضاق عنا
وماء البحر نملؤه سـفينـا
وأن ما ذهب إليه بعض المستشرقين من أن العرب خافوا البحر أول أمرهم ولكنهم استطاعوا بعد ذلك التغلب علي مخاوفهم وسيطروا علي البحر ، لهو أمر يتنافي مع ما وصلنا من أخبار العرب بشأن اعتنائهم واهتمامهم باستثمار واستخدام البحر والسيطرة عليه سواء للأغراض التجارية أم العسكرية إلا أن الأمر يستلزم المزيد من الدراسات والبحوث للوقوف علي دور العرب المسلمين في إغناء علم الملاحة البحرية ، عكس عمق استيعاب الفكر الاستراتيجي العربي الإسلامي لأهمية البحر واستخداماته الإستراتيجية المختلفة .ولقد استفزتني جهود واثراءات الربان كاظم فنجان ألحمامي من علي منبر جريدة الزمان الغراء الهادفة إلي تعميق الوعي البحري في الأوساط العراقية والوقوف علي إسهامات البحارة العراقيين في بناء و إغناء الوعي البحري العراقي خاصة والعربي عامة ، يكتسب أهمية كبيرة اليوم في ضوء تصاعد أهمية البحار وأساليب استثمارها واستخدامها باعتبارها مصدرا" من مصادر الثروة الوطنية أولاً ولقلة المعلومات المتيسرة عن دور البحارة العراقيين في سبر أغوار الخليج العربي والبحار والمحيطات في ما وراء الخليج العربي ثانياً وذلك لقلة اتجاه الباحثين في العراق للبحث والكتابة عن تاريخ وتجارب البحارة العرب في شرق الوطن العربي ولاسيما العراق الذي كانت بصرته الفيحاء درة موانئ الخليج العربي والمركز التجاري البحري الرئيسي في المنطقة لقرون عدة .
إن جهاد الربان كاظم فنجان ألحمامي في سبيل لفت انتباه الجهات ذات العلاقة إلي أهمية استثمار المنفذ البحري الضيق للعراق المتضرر جغرافيا
" ينبع أولا" من وعيه لأهمية هذا المنفذ بالنسبة للحياة الاقتصادية للعراق بعده المنفذ الأساس للصادرات النفطية عبر ميناءي البصرة والعميق بالإضافة إلي بقية الموانئ العراقية الأخرى.
وثانيا من إدراكه لأهمية وجود وتنمية مجتمع بحري مولع وقادر علي العمل في البحر خصوصا" بعد السنوات العجاف من الحروب والحصار والاحتلال التي أسهمت في تمزيق وتغيير النسيج الاجتماعي في عموم العراق ومن ضمنه المجتمع البحري العراقي في مدن وقصبات محافظة البصرة .
وثالثا" من تحسبه من الأخطار التي تحدق بمصير المنفذ العراقي الوحيد علي بحار العالم خصوصا" بعد ما لحق بالعراقيين من جور وظلم وإجحاف من جراء ما ترتب علي معاهدة الجزائر عام 1975 لترسيم الحدود بين العراق وإيران حيث تنازل النظام السابق عن العديد من الحقوق التاريخية للعراق في شط العرب ، ذلك النهر العربي الخالد الذي تدل المصادر التاريخية علي عراقية ضفتيه ، والتي تحاول وسائل الإعلام الإيرانية طمسها من خلال الترويج لاسم جديد لشط العرب باللغة الفارسية هو (نهر أروند) مما يدل علي نياتها في بسط سيطرتها علي شط العرب بغية التحكم بالموانئ التجارية والنفطية العراقية والسيطرة عليها لاحقا ، وان المؤشرات اليوم تدل علي وجود نيات إيرانية لضم مساحات بحرية جديدة لإيران بضمنها مصب (شط العرب) علي حساب الحقوق البحرية والتاريخية والقانونية العراقية. وفي الختام تحية لجهود الربان كاظم فنجان ألحمامي وأدعو من الله تعالى له بالتوفيق وان تلقى أطروحاته ودعواته آذانا" صاغية من ذوي الشأن والقرار في بلدنا المبتلى بالاحتلال وأطماع دول الجوار ...