وَداعاً .. يا ماما !
وَداعاً .. يا ماما !
( أُمُّ صائِب رحمها الله تعالى )
شعر : فيصل بن محمد الحجي*
تعَوّدتُ منذ طفولتي أن أناديها : ماما .. ( وكذلك جميعُ إخوتي وأخواتي )، ثمَّ صِرتُ شاباً ثمَ كهلاً ثمَّ شيخاً اشتعل الشّيبُ في رأسِهِ وأنا أناديها : ماما ...! فقد كنتُ أرى نفسي طفلاً صغيراً مهما تقدّمت بي السِّنُّ أمامَ ظِلها الوارف ، وسَخائِها الواسع ، و فضائِلِها الجَمّة ...! واليومَ وقد رحلتْ عنا إلى رحمةِ اللهِ .. وإلى جوار والدي .. وأخي صائب..وأختي نجاة _ رحمهم الله جميعاً _ أجَلْ ..! اليوم وقد رحلتْ الماما أجد نفسي كأنني طفلٌ صغيرٌ في صحراءَ جرداءَ ... بلا ظِلّ...بلا سُور ٍ .. بلا صَدر ٍ حَنونٍ أدفنُ فيه رأسي بحثاً عن الحنان ِ والاطمئنان ِ ..! بلا دُعاءٍ يرعاني في صحراءِ غُربَتي وضَعْفِ شيْبَتِي ! (1)
يـا لـيْـتني - بالأمْس ِ - ذُقتُ ولـكـي أكُـونَ هُـناكَ .. في اسْتِقبالِها فـهُـنـاكَ لـنْ تـقِـفَ الحَواجزُ بَيْننا * * * يـا رَحْـمَـة ً غـابَـتْ وَ غابَ حَنانها يـا ظِـلَّ عَـطـفٍ وارفـاً ... لـكِنهُ يـا بَـلـسـمـاً لِـعِـلاج ِ كُـلِّ كَآبَةٍ يـا نـفـحَـة ً عُـلـويَّـة ً حَـفتْ بنا يـا بـابَ جَـنـاتٍ .. خَـبَـتْ أنوارُهُ يـا غـرْسَة ً مِنْ أرض ِ ( قرْطبَةٍ ) أتتْ غرَسَتْ ب ( قارة َ ) جذْرَها.. وَ تفتحَتْ يـا كَـهْـفَ أمْـن ٍ عِـشْتُ فِيهِ غلاما رضـعَ الـغـلامُ الأمْـنَ مِـنْ يُنبُوعِهِ وَ لـئِـنْ طـغـى شَـيْـبي عَليَّ فإنني وَ أعِـيـشُ فـي كَـنفِ السَّعادَةِ واهِماً بَـلْ هـكَـذا مَـضَـتْ الحَياة ُ بغرْبَتِي وَ أظـنُّ آمـالِـي تـداعِـبُـهـا يَدِي حَـتـى هَـوَى الـخَـبَـرُ الألِيمُ فهَدَّني لِـيَـصِيحَ صَوْتُ الحُزْن ِ يَصْفعُ سَمْعَنا فـالـعُـمْـرُ مَـهْـما طالَ لنْ ألقى أبي كـمْ كُـنـتُ أرْجُـو فـي الحَياةِ لِقاءَها كَـمْ كُـنـتُ أرْنـو لِـلشِّمال ِ... مُؤمِّلاً أغـفـو وَ أصْـحُو وَ الرُّؤى تنتابُني : يـا أُمَّ قـارة َ .. إنَ شُـكْـري فـضْلها أوَّاهُ .. يـا رَمْـزَ الأُمُـومًـةِ وَ الـندى يــا أُمَّ قـارَة .. كُـلُّ قـارَة َ وَدَّعَـتْ قـدْ هـامَ فـي كُـلّ الـبـلادِ بـجسْمِهِ كـانَ الـلـقـاءُ مُـحَـرَّما .. واحَسْرَتا عَـزَّ الـوَداعُ الـمُـرُّ فـي تـكْـبيرَة ٍ إنـي بَـكَـيْـتُ .. أجَـلْ بَكَيْتُ بدَمْعَةٍ إنـي بَـكَـيـتُ .. وَ لا يَضِيرُ رُجُولتِي هَـلْ تـقـتـضِي مِني الرُّجُولة ُ غفلة ً لـمَّـا غـزانـي الـحُزنُ غيْرَ مُواربٍ أيْـقـنـتُ أنـي لا نـجَـاة َ لِـمُهْجَتي وَ ألـوذ َ بـالإيـمـان ِ مُـعْـتصِماً بهِ يـا رَبّ يـا رَحْـمـنُ ..! والِـدَتي لها مَـنْ لِـي سِـواكَ يُـغِيثُ في إعْسارنا لِـتعِيشَ في رَوْض ِ الجنان ِ وَ والِدي .. يـا رَبُّ وَ ارْحَـمْـنـا ... وَ أبْدِلْ غمَّنا * * * الـحُـزنُ طـأطـأ هـامَـتِي ... لكِنما ( مـامـا ) الـتي صَحِبَتْ أبي بطمُوحِها داوَتْ جـراحِـي .. أوْرَثـتـنِي بَلسَماً دِيــنٌ وَ أخْــلاقٌ وَ عِـفـة ُ حُـرَّةٍ يـا أيُّـهـا الـقـبْرُ المُبارَكُ .. مِنْ هُنا | حِماماكـي لا أعـانـي الـيـوم فـقد وَ أُقــبِّــلَ الأكْـفـانَ وَ الأقـدامـا إذ لــنْ أرى ظـلـمـاً وَ لا ظـلاّمـا * * * وَ دُعـاؤهـا الـحـانِـي عَـلَيَّ دَواما وَلـى .. وَ خـلـفََ فـوْقـنا الآلاما..! لـمَّـا أُلاقِـي وَجْـهَـهـا الـبـسّـاما قـرْنـاً زَوَى ... حَـتـى بَـدا أيَّـاما فـغـدا الـطـريـقُ مَـتاهَة ً وَ ظلاما لِـتـوائِـمَ الإيـمـانَ وَ الإسـلاما(2) أغـصـانـهـا زَهْـراً أضـاءَ الشَّاما يـا لـيْـتـنِـي مـا زلتُ فِيهِ غلاما..! يـا وَيْـلـهُُ لـمَّـا أُذِيـقَ فِـطـاما ! مـازلـتُ طِـفـلاً أعْـشَـقُ الأحْلاما وَ الـبُـؤسُ حَـوْلِـي يَـغـمُرُ الآكاما وَ أرى غـدِي يُـدْنـي إلـيَّ مَـرامـا لِـدُنـوِّهـا ... مـا أخْـدَعَ الأوْهاما..! وَ غـدَتْ صُـروحُ الأُمْـنِياتِ حُطاما..! أنْ : يـا رجـالُ غـدَوْتـمُ الأيْتاما !!! حَـيَّـاً .. وَ لـنْ ألـقـى هُناكَ الماما ! حَـتـى وَ لـوْ كـانَ الـلـقـاءُ لِماما إقـبـالـهـا ... وَ أٌعـانِـقُ الأنـساما أسْـعـى لـهـا وَ أسـابـقُ الأيَّـامـا يُـسْـدِي لِـكُـلِّ الأمَّـهـاتِ وساما(3) وَ الـتـضْـحِـياتِ وَ إنْ غدَوْنَ جساما جُـثـمـانـهـا .. إلاّ غـريـباً هاما ! وَ فـؤادُهُ عِـنـدَ الـحَـبـيـبِ أقاما ! حَـتـى الـوَداعُ غـدا عَـليَّ حَراما..! عِـنـدَ الـضَّـريح ِ مَعْ الدُّعاءِ قِياما(4) حَـرّى .. وَ أشْـكُـو في الفؤادِ ضِراما أنـي بَـكَـيْـتُ دَمـاً لِـفـقدِ الماما ! فِي الحِسِّ .. كَيْ أنسى .. وَ كَيْ أتعامى ؟ وَ رَمـى عَـلـى قـلبي الضَّعِيفِ سِهاما مِــنْ بَـأسِـهِ إلاّ بـأنْ أتـسـامـى وَ أُمِـيـط َ عَـنْ صَبْري الجَميل ِ لِثاما دَيْـنٌ عَـلـى أعْـنـاقِـنـا يَـتـنامى وَ يُـثِـيـبُـهـا الإكْـرامَ وَ الإنعاما ؟ وَ أخـي وَ أخـتِـي فـي الجوار ِ أقاما بـشْراً .. وَ أحْسِنْ – يا كَريمُ - خِتاما ! * * * بـالـفـخْـر ِ رَأسِـي شـامِخٌ يَتسامى دَهْـراً .. فـكـانـتْ قِـمَّـة ً وَ سَناما ذِكْـراً يَـفـوحُ قـرَنـفـلاً وَ خُزامى ! وَ وَفـاءُ مُـخـلِـصَـةٍ وَ صَـبْرٌ داما أُهْـدي إلـيْـكَ تـحِـيَّة ً وَ سَلاما ..! | الماما
* شاعر سوري يعيش في المنفى
(1) توفيَتْ الوالدة الساعة الحادية عشر من ليلة الجمعة 10/ مُحرَّم /1426ه (يوم عاشوراء) الموافق 18/2/2005م ، وكانت جَدَّة ً لعدّة جدّات ، وبلغت ذريتها من الجنسين عند وفاتها حوالي /300/من الأولاد والأحفاد، حفظهم الله تعالى (2) الوالدة أصلها من الأرجنتين من مدينة ] كوردبا = قرطبة [ . (3) هذه التسمية ] أم قارة [ أخذتها من أحد الإخوة الشباب في كتابته على الإنترنت ، (4) المقصود : صلاة الجنازة ، وكانت الوالدة قدْ أوْصَتْ بأن أصلّي عليها .