الحبيب الشيخ إبراهيم العلي
الحبيب الشيخ إبراهيم العلي
د. صلاح عبد الفتاح الخالدي
أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله
لا ينزع العلم نزعاً من بين الناس، ولكنه ينتزعه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق
عالم يتخذ الناس رؤوساً جهلاء، فيفتون بغير علم، فيضلون ويُضلون! وهذا معناه أن
وجود العلماء الربانيين العاملين في الأمة خير وبركة وعافية لها، وفقدهم خسارة
كبيرة لها.. وإن "إيجاد" العالم الرباني في الأمة ليس بالأمر السهل، وفقد هذا
العالم الرباني كبير، لأنه ليس من اليسير الإتيان ببديل له، يحل محله، ويسد
فراغه، ويقوم بما كان يقوم به!!
ولقد فقدت البلاد قبل أيام عالماً من علمائها الربانيين العاملين، حيث انتقل إلى رحمة الله بعد صلاة مغرب يوم الخميس 27/5/1425هـ الموافق 15/7/2004م فضيلة الشيخ إبراهيم محمد العلي رحمه الله، ورضي الله عنه وأرضاه.
وما إن علم محبوه بإدخاله المستشفى الإسلامي حتى توافدوا عليه ينظرون إليه مع أنه في غيبوبة، ويدعون الله له. وما إن فاضت روحه إلى بارئها حتى انخرطوا في البكاء، البكاء الصادق، المترجم عن الحب الصادق، ولا يبكي الرجال بصدق إلا من أحبوه بصدق.
ولقد كان تشييع جنازته رحمه الله مهيباً، شارك فيها المؤمنون من إخوان الشيخ وأحبابه، ودل ذلك على منزلته ومرتبته وفضله عند الله إن شاء الله ولا نزكيه على الله.
أحب الشيخ إبراهيم العلي الله، فأحبه الله، وحببه إلى الصالحين من عباده، كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه إذا أحب الله عبداً نادى جبريل، فقال له: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، فيحبه الصالحون في الأرض. وقد أجمع الصالحون في هذه البلاد على محبة هذا العالم الرباني، لأنه كان يحب الصالحين، فبادلوه حباً بحب، ووداً بود.
كان من أحب الأحباب إلى قلوبنا، وكان شقيق أرواحنا، عشنا معه سنوات وسنوات، وأنسنا معه بجلسات وجولات ورحلات، وأمضينا معه أسعد الأوقات وأجمل الساعات.. ولهذا كان مصابنا فيه كبيراً، وحزننا على فراقه متواصلاً!! لكنه الرضا بقدر الله، والصبر والاحتساب إلى الله.. فإن القلب ليخشع، وإن العين لتدمع، وإنا لفراقك يا (إبراهيم) لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، فإنا لله، وإنا إليه راجعون.. اللهم أجرنا في مصيبتنا في فقده، واخلفنا خيراً منها. هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان قلب الشيخ إبراهيم رحمه الله كبيراً جداً بعاطفته ووده وحبه، مع أنه كان قلباً عليلاً مريضاً، حيث أجرى عمليتين لقلبه.. وكان قلبه قوياً في التحمل والصبر، مع أن "عضلة" قلبه كانت ضعيفة في النبض والضخ!!
وسع الشيخ إخوانه وأحبابه الكثيرين، وأسكنهم في قلبه، ولم يضق بهم قلبه على كثرتهم، ولم يزدحموا فيه، وكان كل واحد سعيداً مسروراً عندما يلتقي الشيخ، فيفيض عليه من صدق محبته وعواطفه ومشاعره.
كان الشيخ كريماً فياضاً في المودة والمحبة والأخوة، في وقت أصبحت فيه هذه المشاعر "عملة صعبة نادرة"، وصار آخرون "بخلاء" بها، لا يعاملونك بود أو حب أو أخوة أو ابتسامة أو اهتمام إلا إذا دفعت لهم ثمن ذلك غالياً، أو وجدوا عندك مصلحتهم الخاصة!
كان الشيخ (وفياً) وفاءً عجيباً، لا يجحد فضلاً لأحد، ولا يفجع محباً في حبه، ولا يرد مقبلاً عليه، ولا يصد راغباً في الاتصال به.. والذي يعجبك في الشيخ أنه كان (عف اللسان) لا يتكلم إلا بخير، لا يشتم أو يسب أو يلعن، ولا يجرح أو يجهل، ولا يأكل لحوم إخوانه.. في الوقت الذي انتشر فيه هذا المرض الفتاك بين كثيرين من العاملين.
حرص الشيخ رحمه الله على نشر العلم بمختلف الأساليب والوسائل، في الدروس، والخطب، وفي الندوات والمحاضرات، وفي الدورات واللقاءات، وفي الصحف والمجلات، وفي الكتب والمؤلفات، وتخرج على يديه كثيرون من طلبة العلم الصادقين، من الإخوان والأخوات.. وكان رجل )جهاد) صادق مبرور إن شاء الله، وكان شوكة في حلوق الكافرين من اليهود والصليبيين، وشوكة في حلوق الظالمين، الذين يحاربون هذا الدين ودعاته العاملين.
ماذا نقول في الشيخ؟ مهما قلنا فيه فلن نوفيه بعض حقه. لذلك نحتسبه عند الله، ونرجو له جنة الله!.