عبد الله زنجير
من بلادي
عبد الله زنجير
علاء الدين ال رشي |
عبد الله زنجير |
ليست العبرة في أن تكون غنيا بل العبرة في أن تكون نافعا ومحبوبا. (روكلفر).
هناك حيث يمتد التراث وعبقه إلى الراهن وإشكالياته, وحيث تتعانق الكلمة المغناة مع اللحن والصوت الندي. وحيث يرسخ المسجد الأموي يذكر بعبير الأيام الفائتة والحضارة السالفة, ولد عبد الله أحمد زنجير في حلب الشهباء ثاني اكبر المدن السورية.
ونشأ عبد الله في حي سيف الدولة، وتربى بين أسرة متوسطة الحال، ولكنها كبيرة الآمال تعشق الخير وتدافع عن الحب وتسعى لنشر فضائل العلم والمعرفة.
كان والده من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه مع هذا النسب الرفيع علم أبناءه أن أصالة النسب لا تغني شيئا، وأن الإنسان مرتهن لعمله، وأن على كل إنسان مسؤولية ومهمة وعلى عاتقه أمانة لابد من صيانتها...
هي الأخلاق تنبت كالنبات، إذا سقيت بماء المكرمات.
نشا الفتى على بصيرة بدور الإنسان في الحياة، وأن كرامة المرء قيد إنجازاته ونجاحاته، فاستثمر المناخ السائد في بلدته، وعمل على تنشيط ذاكرته ووعيه، من خلال التواصل المعرفي ومن خلال الطبيعة الساحرة ومن خلال أسرة عاشت بالعقل والوجدان وتحمل المسؤوليات. ولم تمض سنوات حتى دفعت الظروف بالطفل الكبير إلى الرحيل إلى مكة أم الدنيا كما يسميها شقيقه الشاعر سليم.
وفي مكة، حيث يتماهى المقدس بالبشري، ويرتفع من في الأرض إلى نقاء السماء، كانت رحال هذا الشامي قد استقرت بعد مشقة نفسية وجسدية....
وبدأ الناشئ مشواره بعيدا مغتربا عن بلاده التي احبها ولكنه لم يعش فيها، بل بقيت ذكرياتها محفورة في وعيه ونفسه, وخيالها يداعب أجفانه، مع أطياف المناسبات ولوعة تقادم الأيام ومع أشواق الحنين وبعده عن تنسم هواء بلاده، كانت تكبر همومه وتصقل تجربته، فقد استقى من وحي المكان الجديد(مكة) العالمية، والانتماء إلى الإنسان والحضارة، فأراد لنفسه أن يرتقي بعيدا عن خطاب الجغرافيا والتاريخ إلى حيث الشهود والحضور، وبدأت ملامح تفكيره تتشكل. كان للتدين الوسطي، الذي يحمل هما إنسانيا الأثر الأكبر في حياة عبد الله، فالتدين كما يقول المرحوم الأفغاني (أول معلم وأرشد أستاذ, وأهدى قائد للأنفس إلي اكتساب العلوم والتوسع في المعارف) وأدرك بحسه المرهف ووعيه، الذي مهرته التجربة، والغربة المبكرة، أن النهوض الحضاري المنشود للأمة، ليس في رصاصات طائشة، تثير الفتنة هنا أو هناك، ولا في بلاغة ألفاظ وسطحية في المضمون، وأن آليات النهوض تستوجب عملا وحراكا دؤوبا، يبدأ بتحمل المسؤولية الفردية.
اخذ عبد الله يروي وقدة عقله وجذوة روحه ونشط يصاحب وبحرص كبار المفكرين فتتلمذ على يد المفكر العاقل ماجد عرسان الكيلاني وفهم منه أن الخطوة الأولى لتغيير أوضاعنا هي في العودة إلى الذات واستفاد من هذا في طريقة التفكير فلم يعلق هزائمنا ومصائبنا على أحد بل هي نتاج طبيعي لفقدان الإرادة وانشغال النفوس بما لا يغني وتعليق آثامنا ومقابحنا على مكائد الآخرين لنا ثم تعرف عبد الله زنجير على فقيه العلماء المرحوم سيد سابق ونهل من معينه وتحرر من عقد التعصب المذهبي وازدادت مرجعيته تعلقا بالأصول المقدسة من القرآن والسنة واستفاد في طريقة التفكير أيضا حيث لم يعد ثمة تقديس للشخص وإنما للفكرة والمبدأ ومن هنا ابتعد عبد الله عن كل مظاهر الولاء غير المعقلن سواء للشخصيات أو الأحزاب أو الأفكار.
وارتبط بالدين بالمعنى العام وليس تحت أي تنظيم أو أيدلوجيا ويعتقد عبد الله زنجير بمقولة الأستاذ الإمام محمد عبده (الدين حاسة عامة لكشف ما يشتبه على العقل من وسائل السعادات) فلذلك عاش بالدين مبشرا أنه سبيل التحضر والسكن والأمن ولكن ليس برؤية طالبانية أو تدميرية تحول الدين إلي ديناميت أو إلى منصة تشهيرية تطلق صواريخ الإدانة والإعدام على الآخرين وكان للوجدان حظ كبير في حياة عبد الله فقد عب من شعر وذوق الأستاذ الشاعر عمر بهاء الأميري وصقل موهبته وأسلوبه من معين هذا الشخص الكبير فتميز بعذوبة عشرته ونبل خصاله وكريم شمائله ولكن عقله الجواب المتسائل كان يلح عليه بالأسئلة المشروعة: لماذا أخفقنا؟ وكيف النهوض؟
الأمر الذي دفع به للتعرف على أبي الحسن الندوي المفكر الهندي الذي طرح الإشكالية المعروفة ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟
وأيقن عبد الله أن المزيد من الصحوة الشخصية يعني المزيد من التقدم نحو الأمام وأن عودة الأمة إلى ذاتها والكف عن مقابحها ومساوئها الاجتماعية والفكرية ومفاسدها السياسية هي مفتاح النهوض وأن الاستبداد الذي طاش بالأمة هو العثرة الأولى ومن هنا ركز عبد الله على الإنسان_بوصفه نواة التغيير وأداتها _ وعلى ضرورة تحرير مداركه وارادته ولذلك لابد من اجل إنسان سوي لا تطحنه الرغبة السياسية المتقلبة ولا تقمعه سطوة ما عن العيش في زمانه لابد من اجل هذا أن نركز على الديمقراطية فـ(حسناتها أكثر من سيئاتها ومنافعها أكثر من آثامها والخير الخالص لم يتح للناس في هذه الحياة) كما يقول المرحوم طه حسين.
ولكن الصحبة المتميزة والتلمذة النجيبة للأستاذ عبد الله كانت للعلامة الأديب الفقيه القاضي الشيخ علي الطنطاوي. ففي السنوات العشر الأخيرة من حياة الشيخ الطنطاوي كان بيت سره وولده الفكري وربيب مجالسه عبد الله الذي عرف عن الشيخ طريقة تفكيره ومعالجته للأمور الكثير الكثير رسخ الأستاذ الطنطاوي في عقل عبد الله الكثير من المفردات الإيجابية وزرع فيه معاني الأمل والعمل واستلهام العقل في فهم النص والفقه الحضاري وسلم الارتقاء بالنفس والفكر والوجدان والسلوك والمجتمع وعمق فيه فكر السببية وثقافة التساؤل والتعلق بالمبادئ والاهتمام بالقضايا الكبرى ورفض أي وعي مزيف أو مؤطر أو مغيب وتعلم عبد الله من شيخه الطنطاوي كيف يفرق بين المبدأ والفكرة وبين الشخص وتعلم أيضا من أستاذه إنسانية الإسلام ورحمنه وسعة مقاصده وتيسيره على الناس ورفض أي معنى يؤدي إلى الانسحاب من الحياة أو تقزيم الإسلام وفق الأهواء أو الأعراف أو التقاليد أو الفهم القاصر المحكوم بعقد الزمان أو المكان وغدا عبد الله يبشر بالمستقبل ويرفض العنف ويأبى اغتيال الآخر الذي يختلف معه أيدلوجيا ونادى بضرورة العودة إلى الذات كبوابة رئيسة للخروج من المأزق والنفق الطويل المظلم وضرورة المصالحة بين السلطات والمثقفين وتجاوز آلام واخطاء الماضي وكثيرا ما يذكر بمقولة مالك بن نبي (إن حاجة المسلمين إلى ثقافة التسامح اكثر من حاجتهم إلى امتلاك القنبلة النووية أو الذرية) فكتب في صحف ومجلات عالمية وفند آراءه في صحيفة المستقلة البريطانية التي أصدرها الإعلامي اللامع الدكتور محمد الهاشمي وفي عدد كبير من المنافذ الإعلامية الخليجية والعربية.
وكان مثالا نيرا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيرية أهل الشام وأسس مع جمع من المخلصين والعاقلين مؤسسة فنية تعنى بارتقاء مفهوم الفن وتوجه معانيها إلى الأطفال البعد الغائب في مشاريع العرب التغييرية وتعاون على تأسيس وادارة مركز الراية للتنمية الفكرية وتراس إدارة مجلسه ونشر ثقافة تحترم عقل الإنسان فهي ثقافة إنسانية ربانية الوجهة محمدية القدوة إسلامية المشاعر والأفكار ثقافة لا تتربص بالمخطئين وترحم المتعثرين فتحية لك ودمت صديقا للإنسان والحرية والخير وانسانا تثبت عراقة ونيل الشعب السوري