محمد خير الطرشان
محمد خير الطرشان
لا للتنميط في الدرس الشرعي
علاء الدين ال رشي
من أخلاق الجاهل الاجابة قبل أن يسمع والمعارضة قبل أن يفهم والحكم بما لايعلم
جعفر بن محمد
إشكالية وعي رجل الدين لدوره تكمن في استيعابه للحياة وهضمها ثم في المشاركة والتنافس ومن بعدها التوثب والتجاوز وقد غلب على الكثيرين من رجال الدين معاني التبسيط و(الدروشة ) واختصروا فهم الإسلام في وعظيات غير راشدة وفي إعادة إنتاج الصياغة والبلاغة القديمة بغير تسلسل حيث الإنشائية والإطناب والسجع والمقابلات والميل لغريب اللفظ وحتى الاستشهاد بأمثلة في البيوع والمعاملات والمهور والزر وع والأكل والشرب كانت جزء من عصورها وولت معها مما أضفى على الخطاب الديني نوعا من التنميط والتحنيط كما أنه ثمة مفارقة حاضرة فعلى الرغم من اغتراب الفهم هناك استحضار شبه تام لقاعدة لكل سؤال جواب فالشيخ يجيبك على كل شئ وقد يرسم لك ملامح مستقبلك المجهول ولكن لوتمحصت في دقائق السيرة الذاتية لكثير من المنادين بالدين لوجدتها في عزلة واضحة عن المبادئ المعاصرة والتعمق الدقيق في إدراك الواقع وقد حاول المجددون ورجال العلم والفقه أن تجاوزوا صور الشيخ الدرويش الى رجل الفقه والفكر والواقع وتأسست في بلادنا في دمشق وحلب وحمص وحماه وسائر مدننا الكثير من المحاضن التعليمية الأهلية
بدأت شرارة التأسيس جراء وعي المؤسسين لضرورة إنتاج نماذج هادية وعلى الرغم من طيب وصدق هذه الأمنية إلا أن الأتباع خالفوا أمنية العقلاء الراحمين المؤسسين وأخذت الكثير من المراكز الدينية تفقد بريقها نتيجة وقوعها في أسر الصنمية حيث تمت المحافظة على الشكل ولم تستطع أن تؤجج الروح فالمقرارت الدراسية مثلا وضعت في متحف الخلود فلانا سخ ولا منسوخ فيها وهي مستعارة من خارج الخارطة الزما نية والمكانية ناهيك عن أساليب التدريس البدائية والتي تعتمد على التجربة الشخصية وليست على قواعد علمية ووقعت المراكز الأهلية الدينية بين نظام صارم قاس مجاف للعصر والساعة وتعاليم الدين وبين تسيب ولا مبالاة الأمر الذي خالف مطامح المؤسسين في بناء جيل مثقف مسلم صالح نشيط
ولن يعدم المرء أملا في أن تعود المؤسسات الدينية إلى ذاتها وتحيي مبدأ النفس اللوامة التي تتجاوز العثرات وتعيد تر يتب أوراقها وفق راهن معقد يتجاوز تقبيل يد الشيخ وإظهار ملامح الطاعة المقدسة إلى بناء شخصية مسؤولة ومتزنة ومتفتحة تعيش داخل العصر وتقتحمه
ومع هذا كله نجد في المؤسسات الدينية الكثير من الصور المشرقة ومن بين هؤلاء الأستاذ محمد خير الطرشان واحد من أذكى وأنجب تلامذة معهد الفتح الإسلامي الذي أسسه في دمشق الشيخ المغفور له صالح الفرفور
ولد أستاذي ابو الخير كما_ يسميه محبوه عام 1967م _ في الطيبة من الكسوة _ وهي قرية قريبة إلى دمشق درس الشريعة الإسلامية في معهد الفتح ونال قسطا كبيرا من الرعاية على يدي الشيوخ الأفاضل عبد الرزاق الحلبي وأديب الكلاس وغيرهما
بدت ملامح توجهاته الأدبية تنمو وعند تخرجه من المعهد أصبح أستاذا لمادة البلاغة و أضاف إلى شغفه بالأدب واللغة ولعا ملحوظا بالتوحيد والسيرة وقد درست عليه هذه المواد كلها وخير توصيف لهذا الداعية الشاب أنه جبهة إعلامية متحركة فهو يصافح الناس دون عقد التعالي أو الفوقية أو التحزبات الجماعية ويمد جسور التواصل والتآخي مع الجميع وقد نجح في تحويل الاختلاف إلى ائتلاف بين العاملين في الدعوة إلى الله فتراه يجالس الجميع ويمتن القوا سم المشتركة ويتجاوز الخلافيات
تابع التحصيل العلمي في الأزهر وتخرج منه وهو يعد اليوم الماجستير
استطاع أستاذنا وفي فترة وجيزة أن يكون بوابة ومدخلا إعلاميا مشرقا لمعهد الفتح الإسلامي حيث يلتف حوله التلاميذ والناشئة لما يجدون فيه من عقل كبير وصدر رحيم
يختلف عن الكثير من المدرسين لعلوم الدين في دمشق فهو يتمتع بجاذبية كبيرة لمن حوله ويتخلق بالمفهوم القرآني الجاذب (ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك )
ويتصف بقدر ملحوظ من الحكمة العالية الذكية
ويعي قراءة المتغير ويفرقه عن الثابت
والمقرر الدرسي عنده وسيلة لتفتيق الذهن وليس من أجل التلقين أو الحفظ وهو كثيرا ما يناقش ما جاء في الكتب ليعود الطلبة على التفكير
نصح طلابه _وأنا واحد منهم_ بضرورة التريث في الفتوى وإيقاع الناس في المحرمات تربية منه رائعة لأنسنة الفقه والفتوى وعدم تحويل الدين إلى سيف تدميري للحياة وإيقاع العباد قسرا في مالا يرضي الله
يستقطب الناس بتواضعه وهو وثيقة ناصعة للتربية الجمالية التي تعنى بالمخبر والمظهر يستوعب التلاميذ المخطئين ويجتهد في حل مشاكلهم
ولازلت أذكر كيف كان يقف الى جانبي في أوائل التسعينيات يستنهض عزيمتي ويطالبني بالمزيد من الهدوء والكف عن الشغب الفكري الذي كنت أحدثه أثناء دارستي للشريعة الإسلامية(ولازلت مشاغبا حتى كتابة هذه السطور ) خوفا علي من عدم إتمام الدارسة الشرعية
يؤمن بالحوار كوسيلة لتفهم الذات والتعايش مع الآخر ويرفض فكر التصادم والإلغاء للآخرين ولا يقبل من أبناء المدارس الفقهية أن يهاجموا رجال الدعوة والإعلام (كعمرو خالد والجفري والجندي) بل يطالب احترامهم وضرورة توثيق العلاقات بهم ويدير ظهره لمن يشتغل في تفريق الصف الاسلامي وقد لفت الأنظار إليه في المؤتمر الذي عقد مؤخرا في دمشق للتقريب بين السنة والشيعة في إطار الوحدة الإسلامية حيث ركز في كلمته على أن اقصر الطرق إلى الوحدة الإسلامية أن تكون الغاية الأولى والأخيرة هي إسلامية إسلامية وليست إحياء وإذكاء لمذهبية معينة على حساب الأ خرى كما أن الوحدة الإسلامية لا تلغي الاجتهاد كضرورة للتنوع والتكامل لا التنافر كما يرى أن فكر الانتحار والتدمير تعود أصوله إلى ثقافة الصمت وهز الرؤوس والإجماع السكوتي غير الطوعي
يدرس الطلبة اليوم في سنة التخرج من معهد الفتح مادة (منهج الدعوة ) وهي مادة ثرية وغنية وبحاجة إلى تجارب واقعية ولكن مع هذا يفتح الباب أمام الدعاة الشباب بل ويحتفي بهم
وقد حدثني عن إعجابه بالمشاريع الدعوية للإمام محمد عبده رحمه الله وهو أمر غير مألوف في سورية حيث هناك اتجاه يريد تأصيل فكر الاستئصال لمدرسة الأفغاني ومحمد عبده وهي نقطة تحسب له في خروجه على المتوارث من الفكر غير الناضج
يرحب بالجديد ويعمل عل تبيئته وتأطيره شرعا فهو نشيط في علم البرمجة اللغوية العصبية(nlp) ويسعى إلى تقريب مفاهيمها من الدين وكذلك علم الطاقة
إن الساحة الدينية في سورية بحاجة إلى المزيد من هؤلاء الرواد الهداة ليقوموا بخدمة المجتمع وتبصير الناس يحقيقة الدين وتحية لك أستاذنا محمد خيرو إلى العمل من اجل الله والإنسان والوطن