أحمد معاذ الخطيب كلمة الدين والعقل والإنسان

من بلادي

(أحمد معاذ الخطيب كلمة الدين والعقل والإنسان )

علاء الدين ال رشي

[email protected]

ليس المفكر من يناضل من أجل الدفاع عن قضية معينة بل هو الذي ينتج فكرة خصبة لها فاعليتها في تفسير الظواهر وقراءة الأحداث أو في فهم المشكلات والأزمات

د. علي حرب

يعاني الخطاب الديني في سورية في أغلب أطيافه من أزمات كثيرة لعل من أهمها أنه خطاب الانغلاق والعجز كما أن أكثر مشاريع الإسلاميين آلت إما إلى فقدان مشروعيتها أو إلى تهميش دورها أو إلى فشلها واغترابها عن الواقع ثم هناك خللا منهجيا في تعاطي الأفكار في الخطاب الديني السوري فليس ثمة قداسة للفكرة إلا بمقدار عظمة قائلها كما انه خطاب يعيش مع القضايا الكبرى المتعلقة بمصير الأمة ولكنه لا يحسن قراءة راهنه المعاش ويقفز فوق واقع الحياة اليومي كما أن أفكاره لا تنفصل عن إرادة الإلغاء للآخر والتفرد والتميز والهيمنة

 وبين أوهام الحراسة للدين أو الجهاد أو التماهي مع فقه الطهارة والألغاز الفقهية ومتون وحواشي عصور الانحطاط ضاع ملامح الخطاب الديني العاقل الذي يتجدد من خلال فك ارتباطه بالنماذج المحنطة والتحرر من أسر العقائد القاتلة وعقلية النموذج التي هي مكمن العلة. وليس أدل على كلامي ما نراه اليوم من خلاف يصل الى الاتهام بالماسونية لبعض من خرج على المألوف في تفسير النصوص لم تكن هناك برامج تثاقف وتبادل علني للأفكار كما حصل بين شيوخنا البوطي وكفتا رو وبين الدكتور محمد الحبش إن هذا الأمر يعكس وبجلاء الرواسب البيئية والتربوية التي تعكس ذهنيتنا في تعاملنا مع بعضنا

والسؤال الكبير ما سبب هذه العلل واستحكامها ؟ وفي تقديري إن ذلك يعود إلى طبيعة القائمين على الخطاب الديني فهم يعتمدون على موروث شعبي يتداخل مع التفسير الخوار قي للواقع وينام ملء جفنه على تبريرات قدرية للراهن كما أن الكثير من المشتغلين بالخطاب الديني تغلب عليهم الثنائيات المختزلة مع أو ضد وهم يتخذون مواقع النضال والتحرر والتشكك والريبة وهي مواقف مزورة وفي غير موضعها ويمتنعون عن التفكير العلمي الموضوعي الجاد فطريقة تفكيرهم تستجرهم بعيدا عن التفكير ان أوضاع الكثيرين من المتحدثين باسم الدين تذكرك بمقولة الشيخ محمد الغزالي (كنت أرى أناسا يسمنون والدين يرق وينحف )  ومن هنا يمكن تفسير الحفاوة التي قوبل بها شعبيا ورسميا شيخنا يوسف القرضاوي فهو يمثل صفاء الفكرة واستقلاليتها وعقلانيتها ويتجاوز كل تلك المطبات الكبيرة في الفكر والسلوك

 ومع هذا كله ففي الخطاب الديني السوري نماذج ومحاولات رائدة في إعادة الاعتبار للداعية والدين وتقديم نموذج معرفة وفكر وقيادة ومن هذه الوجوه الأستاذ أحمد معاذ الخطيب الرجل الكبير ابن دمشق الفيحاء شام العروبة والإسلام ولد الشيخ الشاب في مدينة دمشق عام 1960 م نشأ في بيت علم وإصلاح فوالده هو الشيخ محمد أبو الفرج المعروف بفضله واستقلاليته

 أبصر الشيخ معاذ ملامح الدين وفق قراءة معاصرة تستهدي ضوابط الفهم وإنتاج وتوليد الجديد ويبدو أن دراسته للجي وفيزياء التطبيقية وكونه علما يقوم على الدقة والتحليل أهله في ما بعد لأن يقف في ساحة الإبداع والتأصيل للفكر الوسطي يبتعد عن مقولات التبسيط المخل كما أنه لا يقوم بالتقعيد الممل

ابتعد الشيخ معاذ منذ بواكير عمله الدعوى عن منطق التعالي والتشهير والتنكيل بالناس حيث ينوه (بضرورة التلطف في الدعوة إلى الحق وأن الأصل في العلاقة مع مختلف الأمم والشعوب ينطلق من فكر الهداية والبحث عن الحق لا فكر الحرب والإلغاء والتدمير ومن قال هلك المسلمون فهو أهلكهم )

يرى الشيخ الشاب المهندس ( أن الإسلام أوسع من أي راية رفعت من أجله) وهو بهذا يعمق مفهوم الانتماء للفكرة وليس إلى النموذج ويطالب( بالحريات العامة في بلاد المسلمين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلغاء قوانين الطوارئ والأحكام العرفية والاعتقال التعسفي وإلغاء سيطرة الحزب الواحد ومحاربة الرشوة والفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي وإيقاف نهب أموال الأمة )ويعد الشيخ معاذ هذه المطالب( من صميم الإسلام وتجاوزها زراية بالدين واستغباء للناس وتلاعب بهم )وهو بهذا   يحول دون سحق الدول للأفراد والجماعات أو دون طغيان المجتمع بقواه وطوائفه على الدولة بل هو يدعو إلى فتح حواريات فكرية خصبة تعيد الدولة للأمة والأمة للدولة وفي هذا يقول: ( السياسة وسيلة لا غاية وعمل الأنبياء هو الهداية ونفضل أن يصل الإيمان إلى أصحاب الكراسي على أن يصل أصحاب الإيمان إلى الكراسي ) وينشط أستاذنا معاذ الى عقلنة الخطاب الديني في المنهج والممارسة يقول ( لا نرضى الفتنة وحمل السلاح في الأمة الواحدة مهما يكن السبب وننبذ الطائفية والعصبية وضيق الأفق كما نرفض تحجيم الإسلام وفق أهواء العوام أو الحكام ) وهو لا يكف عن نقد علاقتنا بأفكارنا يقول: (المنابر أمانة وليس حرفة وخطبة الجمعة جزء هام من مشروع النهوض بالأمة وهي فعل مدروس وهادف ولا يجوز أن تكون رد فعل على ما يجري أو مجرد انفعالات طارئة وحماسة جارفة )

   وهو يتقاطع مع الفيلسوف الكبير علي حرب الذي يقول الأفكار الخلاقة إنما تتيح لنا أن نتغير بقدر ما نغير علاقتنا بالواقع أن نغير علاقتنا بدواتنا بقدر علاقتنا بالآخر أن نمارس خصوصيتنا بقدر ممارستنا لعالميتنا )

يقول المعلم المهندس عن تغيير علاقتنا بالواقع ( نرفض الفكر التكفيري الغضوب) وهي نقلة رائدة في التعامل مع الآخر دون الحكم عليه بالخروج على الملة ولكنه في المقابل يتقدم ليقتحم فيقول ( نرفض مناهج الجبن والهروب ومهما تكن ضريبة الحرية فادحة فان ضريبة الذل أفدح بكثير )ويلفت الشيخ الخطيب نظر خطاب التدين السوري إلى ضرورة (تذكير الناس بحقوقهم ومنها الرعاية الاجتماعية وضمان الشيخوخة والعلاج الطبي)

وهو بهذا يقترب بمفردات خطابه إلى ملامسة آلام الناس ومشاكلهم.

التقى الشيخ المتحرر في مسجد الرفاعي بعد خطبة الجمعة السيد رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الأسد وخرج الشيخ بانطباع يبشر بأمل قادم على يدي الرئيس الشاب الذي يعقد الشعب السوري الأماني  الكبيرة في خطواته القريبة والواعدة و التي ستقدم سورية الى منتدى الفعل الحضاري الذي سيعيد لعاصمة الأمويين ألق العلم والسلم والتعددية والحرية والخير

معاذ الخطيب فكر الأمة لا التنظيم وداعية تحمل المسوؤلية وأحد الوجوه الشابة التي تبشر بالدين وتسعى لخدمة الوطن فمن خلال ترأسه لجمعية التمدن قبل أن يتم عزله عنها   أعاد الكثير من الخدمات الاجتماعية التي تزرع الأمل والبسمة.

وقد أسهم في خطب الجمعة التي كان يلقيها قبل أن يتم عزله في توعية الشرائح وتبصير الناس وفي مدة وجيزة جدا تحول إلى محور استقطاب كبير وناقش من على منبره سؤالات حاضرة   وتداول  مشكلات وقدم حلولا  وأما نتاجه المكتوب فهو قليل ولكنه متميز فقد شارك في بحث تربوي لكتاب مالا نعلمه لأولادنا كما أسهم في التعريف بشيخنا الكبير المفكر عبد الكريم بكار في كتاب أفكار وشخصيات  وهناك مشاريع فكرية كثيرة حاضرة في ذهنه وبعضها منجز وقد قدم وراجع لكثير رسائلهم الجامعية وتواصل  من المثقفين مشاريعهم الفكرية  منهم نواف التكروري وعبد الله زنجير

 ومن جميل تربيته وتعليمه الذي لمسته أنه في نشاطاته التدريسية سواء في معهد المحدث بدر الدين الحسني أو في القلبقجية أو في حلقات المساجد   كان ينأى بنفسه عن أسلوب الحشو والتلقين والحفظ ويميل الى أسلوب العقل والمحاكمات ولم أر شيخا يوما بترك طلابه أثناء تأديتهم الاختبارات الفصلية مثلما كان يقوم هو في تعويد منه للطلبة على تحمل المسؤولية

يتهمه بعض العاملين   المنتفعين من الدعوة بأنه متهور ويتهمه آخرون بأنه يعوزه السند الشرعي ومن خلال استماعي وتمحيصي لما يقال عن هذا الشيخ الكبير الشاب المنفتح خلصت أن فكر الخطيب قد عكر صفاء الوثنيات الفكرية وعكر على الكثيرين من الذين يحصلون على الامتيازات والزيادات جراء تقديمهم لإسلام ينفخ الجيب ويقفر العقل بكلماته وقد عرى زيف هذه المرجعيات المزورة

ومع هذا فيبقى معاذ الخطيب رجلا يجتهد وكل ما يبديه قابل للنقاش

فشكرا لك يا خطيبنا الرائع ونحن نحبك ونقدرك وندعو  أن يهب الله سبحانه وتعالى  لك أياما بيضاء وتوفيقا وحفظا ونستذكر دوما نصيحة الشيخ البوطي للدعاة بأن يتلمسوا خطاك