حفلة تكريم للأديب الشاعر محمد الحسناوي

حفلة تكريم

أقامت رابطة الأدب الإسلامي العالمية – مكتب الأردن، حفلة تكريم للأديب الشاعر محمد الحسناوي في مقرّ الرابطة في عمان، مساء يوم السبت 6/12/2003 قدّم فيها الدكتور عودة أبو عودة دراسة وافية عن فكر الأستاذ محمد الحسناوي، وعن مؤلفاته الشعرية، والقصصية والنقدية، أعقبتها مداخلات طيبة من عدد من الأدباء الحاضرين، فقد تحدث الدكتور عماد الدين خليل عن الحسناوي إنساناً توحدت لديه الكلمة والسلوك.

وأهداه القاص نعيم الغول قصة بعنوان "قنينة"، واستعاد الأستاذ طعمة عبد الله طعمة ذكريات تدريس الحسناوي له عام 1965 مما حببه بالعربية وبرسالته الإسلامية، ولفت النظر الأستاذ نجدت لاطه إلى ظاهرة تعدد الأجناس الأدبية، وهل هي ظاهرة لدى الإسلاميين؟ ثم أوضح الدكتور مأمون جرار المغزى من تكريم الأدباء، وسلم المحتفى به هدية، وهي (درع الرابطة)

 وفي نهاية الاحتفال، وجّه الأستاذ الحسناوي عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ونائب رئيس رابطة أدباء الشام، الكلمة القيمة التالية:

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ الدكتور مأمون جرار رئيس فرع رابطة الأدب الإسلامي

الإخوة أعضاء اللجنة الإدارية والثقافية الكرام

الإخوة الأعضاء والأعزاء

أيها الحفل الكريم:

إنه لحدث جلل لطائر مثلي،مشرد من عشه ووطنه، مفزع من نفسه، غير آمن في سربه، محجور على تغريده.. أن ينعّم ويكرم.

وما مثلي إلا مثل الأديب الأسير الأستاذ إبراهيم عاصي، الذي اختطفته الأيدي، وأطبقت على صوته في ليلة سوداء، فلم نسمع له صدى منذ ربع قرن ونيف، ولكن قدرة الله التي لا حدَّ لها وحكمته البالغة كتبتا لي النجاة من بين فكي الحوت، كما كتبتا لي أن أستظل بشجرة من يقطين، أتنفس الهواء النقي، وأشيم شمس الضحى، وأن أنجب البنات والبنين، وأتنقل بين الأصقاع، وأن أنشر عدداً من الكتب والمؤلفات، وأن أقف بين أيديكم معززاً مكرماً بعد هذا العمر المقتطع اقتطاعاً وأنا الحي الميت.

إنه حقاً لأمر عجاب

ولقد كرمني الله تعالى، ولقيت في حياتي ما هو أعجب وأغرب، وليس المقام مقام تعداد العجائب، ولكنه مقام المتحدث  بنعمة الله. فلله الحمد أولاً، وله الحمد أخراً، ويوم يقوم الحساب.

أيها الإخوة الأحباب:

إن مما يسليني ويعزيني أن الذين يمكرون بي ليسوا هم كرام أهلي وعشيرتي، وأنتم أهلي وعشيرتي:

إذا رضيتْ عني كرامُ عشيرتي     فلا زالَ غضباناً عليّ لئامُها

وإن مما يسليني ويعزيني حيناً أني أتعلم الاحتساب لله تعالى، فلا أرجو من سواه جزاءً ولا شكوراً، وحاشاه، وهو المتفضل علي بالحياة وبالسلامة والهداية وكل سطر كتبته أو قصيد أنشدته.

كانت لي تجربة مع كتاب الله تعالى حين عملت في تأليف كتابي الفاصلة في القرآن، وهو أحبّ مؤلفاتي إلى نفسي، فأحسست بعناية الله وتوفيقه لي أثناء التأليف إحساساً واضحاً، فسعدت واستمتعت، وأنجزت ما كان يصعب عليّ إنجازه في ظروف صعبة، ولكم وددت أن أهب بقية حياتي للدراسات القرآنية، كما وددت لو صرفت أيام حياتي كلها لشؤون الأدب الإسلامي. وحدها: إنني لست نادماً على خياراتي الماضية، ولا أستطيع التحكم بخياراتي القادمة، فقد كُتب عليّ الاشتغال بالهم العام، مع اشتغالي بهموم الأدب الإٍسلامي ضربة لازب، وقد عبرت عن هذه المعاناة في قصيدة لي منذ أربعين عاماً، اسمحوا لي أن أعيدها على أسماعكم:

يا همـومَ الحياة فكّي إساري

واتركينـي لحومتي ونِفاري

اتـركيـني  لـواغل غدارِ

أحرق الدارَ، واصطلى بالنار

اتـركيـني لقـاعدٍ مهـذار

أطـربتْـه معـازف  التيار

 

اتركيني لسالكـين استعاروا       أعيـنَ البوم أو قلوبَ الفارِ

 

اتركيني ، فمـا لِخلع العِذار

أتصبى، ولا لـكرع العُـقار

أنا لـو تسرين غور قراري

أو تَشيمين بارقاً مـن ثاري

لفككتِ الإسـار  بعد الإٍسارِ

وطـلبتِ النجاة قبـل البوار

 

ربّ غيـظ وأدتُـه  يتظلى     مـن فضول  تعلقتْ بـإزاري

أيا كالنسرِ أرقب الجرذ تلهو     بفراخي.. تعضُّ من أظفـاري

تبتني  جحرَها بمفرق رأسي     وتـذود الهواء عن  منقاري

أطمعتـها سكينتي ووقـاري     فاستحمَّت بدمعي  المدراري

 

أتلفتْ ما ابتنيتُه من فخار

 ورمتْني بأخبث الأوزار

 

زينتْ لي الحياة خفض جناح    للثعابين، للذئاب الضـواري

تستبيح العرين بيضاً  وحمراً    واللئيم، اللئيم، حامي النِمار

 

وأخٍ سـادر يعـدُّ الـدراري

في عيون المها وحبِّ النُضار

خلبـتْه بهـارجُ  الأنــوار

عن سرابِ المنى وراء الخِمار

 

أشرعَ السورَ للضيوف ألوفـاً    كرماً سابقاً، وحسن جـوارِ

ورفـوفُ العلوم  أمستْ دفوفاً    أين منها عرائس الأنصار!

رقصـتْ أختُـه، وطاف بنوه    بشـراب مصفّـق بالعـار

لو بكى سيف (خالد) و(صلاح)   أخـرسوه بضجة المزمـار

فغدا السور يلفظ الجرْذ خِـزياً    بعـد حَفْزِ الأباةِ والأبـرار

 

 يـا هموم الحياة شدّي إساري

لستُ أرجو ولا عليكِ انتصاري

إن قلبـاً سمـا إلـى الجـبَّار

لمـطيـحٌ بـغـارةِ الأقـدار

أيها الإخوة والأخوات:

أيها الحفل الكريم:

لقد ذقت من نعم الحياة ومرارتها الشيء الكثير، حتى لم يعد لي ما آمله فيها أو منها، وقد استوى عندي كل ما فيها، فلا نعمة دامت، ولا شقوة طالت، وكل ما يشغلني أن أكون أخلصت لله تعالى عملي، فلا يضيع منه شيء. من كان يحبني ويريد لي خيراً أسأله أن يدعو لي في ظهر الغيب أن يتقبل الله عملي، وأن يغسلني بماء عفوه وكرمه من النفاق والشقاق وسوء الأخلاق. "هو أهل التقوى وأهل المغفرة".