دكتوراه فخرية من أولادك
د. عبد الله الطنطاوي
غرناطة عبد الله الطنطاوي
كم فرحت عندما علمت بمنح والدي الغالي دكتوراه فخرية ثانية.
وكان فرحي ليس لأن من حق كل عظيم أن يكرّم.
وليس لأن والدي يستحق هذه المرتبة عن جدارة.
فرحي بهذه المنحة أنها لوالدي الحنون وكفى.
وكنت أودّ لو أن هناك دكتوراه فخرية من نوع فريد، يمنحه كل ولد لوالده، وأمنحه لوالدي:
إكباراً لجهوده المبذولة في خدمة الأدب والأدباء.
وإكباراً لعظمته في تحمّل أولاده وأولادهم أيضاً..
فكم غضّ الطرف عن هفواتنا بكل حب وحنان.
فالحب الذي نعيشه في كنف هذا الوالد العظيم قلّ مثيله في هذه الدنيا المادية..
فكما قال ابن أختي الصغير لأمه:
-لماذا لا يكون الناس مثل جدو؟ جدو حنون ويحب كل الناس.
وصفة الحنيّة هذه تلازم والدي منذ صغره، فهو يحنّ على العصفور إذا صاده الصياد، ويحنّ على القطة إذا ربطها طفل صغير.
قلبه الكبير لا يسع سوى الحب لأهله ولكل مسكين في هذا العالم.
كم من مرة دخلت غرفته فوجدت عيناه مغرورقتان بالدموع، لصورة شاهدها على النت، أو ليتيم أو أرملة أو عجوز.
يكفيه فخراً أن والديه كانا يلهجان بالدعاء له عندما حضرتهما الوفاة، وكأنهما ليس لهما ولد غيره.
لا يردّ طلباً لأحد ولو كان هذا الطلب سيأخذ من وقته الثمين الكثير.
فكلما طلب أحدهم أن يصحح له كتابه قبل أن يذهب به إلى المطبعة، صححه بكل صدر رحب، مع أنه ليس لديه الوقت الكافي لإنجاز ما بدأه من كتاب أو قصة، أو مقال أو عمل لابد من إنجازه في الوقت المعلوم.
فلا ينام من الليل إلا قليلاً، وفي النهار يسعى لخدمتنا وخدمة أولادنا وأولاد الجيران، بنفس رضيّة، وسجايا عظيمة.
حتى أن ابنتي كانت تقول لي وهي صغيرة:
-أشعر يا ماما كلما شاهدت جدو كأنني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأنبهها إلى مكانة رسول الله التي لا تدانيها أي مرتبة.
وعندما ذهبت ابنتي إلى الجامعة، كانت تنادي الدكتور الذي تبدو على محيّاه أمارات الأبوة بـ(جدو) ثم تتدارك الأمر سريعاً، وكأن العظمة عندها متمثلة في شخص جدها.
وعلى هذا النحو يشعر به أولادي جميعاً، يحاولون السير على نهج جدهم، مستشهدين دائماً بأقواله وأفعاله.
وإليك أيها الوالد العظيم هذه الدكتوراه الفخرية من أولادك المحبين لك ولأمنا الغالية حفظها الله تعالى:
تتشرف أسرة عبد الله الطنطاوي بمنح
الأب الرائع درجة الدكتوراه الفخرية
وذلك تقديراً لجهوده ومكانته المرموقة في نفوس أولاده وأحفاده..
وهذه الجهود التي تشكل مثالاً يُحتذى في سبيل الأسرة..
ابنتك المحبة لك:
غرناطة الطنطاوي
التاريخ: 9/2/2009