إلى رحمة الله يا بثينة
مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن
لا أدري إذا كان من محاسن الصدف أو مساوئها تطابق الأسماء بين قطتي الجميلة البريئة والمسكينة وبثينة شعبان المكينة التي اُشتهرت بالناطقة الرسمية للأسد الأب ومن ثُمّ بوزيرة المُغتربين ، ولكن بالفعل من المساوئ والمحاسن ؟ أن يرحلا كلاهما في نفس العام !!، وكل منهما إلى مكان مختلف
فبثينة الأُولى شعبان رحلت من الوزارة ورجعت إلى القصر الجمهوري وألف هنا على قلبها لأنها تعودت على القصور ومرباية على العز مثلما يقولون ، لتكون المستشارة السياسية والإعلامية للأسد الابن ، بعدما دوختنا في المُغتربين ، ووعدتنا بالوعود المخملية ، وخاصة قبيل انعقاد مؤتمر البعث العام الذي قالت عنه إلى صحيفة البيان 6/4/2005 بأنّ مؤتمرهم سيشهد إعلان قرارات جريئة وسيبحث كل ما تطرحه المعارضة الملتزمة بالحوار تحت سقف الوطن ، وألمحت حينها إلى إصدار قانون لتأسيس الأحزاب وآخر لتنظيم الانتخابات وإنهاء مرحلة الاستفتاءات واتخاذ خطوات توحد الشعب السوري كله وتعلو فوق الهفوات الحالية - وهذا بمثابة اعتراف رسمي منها بالانقسام الشعبي وخطأ الاستفتاءات ، وحاجة المُجتمع السوري إلى الأحزاب - والتي اعترفت حينها أيضاً بعطب الماكينة الإعلامية السورية وقصور الجهاز الدبلوماسي، لتكمل حديثها الى صحيفة البيان نحن لا نعرف تسويق ما نفعل على الرغم من أننا أذكياء ونعرف مكامن الصعوبات ومكامن الخطر وحان وقت مواجهة الصعوبات ، ولا أدري على أيّ شيء استندت بأقوالها التي بنت عليها ثقتها بعزيمة الفعل الذي لم نرى منه شيئاً ، وخاصة بعدما انقضى على ذلك التاريخ قرابة الأربع سنوات ، ولم نجد فيها سوى عكس ما قالته ووعدت به ، مع مُلاحظتنا بانتقالها من دهاليز الوزارات إلى فسحة القصور، وعيشة الملوك واستقبال الوفود
بينما بُثينتي قطتي حبيبتي التي ولفنا عليها وأخذت عقولنا بلباقتها وكياستها وفطنتها وخفّة حركتها ووفائها واستشعارها بهمومنا وآلامنا وأحاسيسنا وانسجامها مع أهل البيت رحلت إلى بارئها ، بعد كُل الذي بذلناه معها من محاولات الإنقاذ ، بعدما تعرضت إلى حادث مؤلم فارقت الحياة من بعده بأيام ، وهي تنظر إلينا برضى ومحبّة وامتنان ، بعدما عاشت معنا أيامنا بحلوها ومرّها وهي تستشعر الألم الذي نُعانيه من الغربة والفراق والبعاد عن الوطن وتحسّ بأحاسيسنا ، وكُنّا نلحظ ذلك على تقاسم وجهها في ساعات الصفا والتأمل والشرود ، وكُنّا نُبادلها الأمل بيوم من الأيام بأن نُكافئ وفاءها بوفاء أعظم من عندنا ، بأن نأخذها معنا إلى بلدنا في يوم من الأيام لنُعرفها على أهلنا هناك وذوينا ، ونُفاخر بها أمام الربع ، ولنُطعمها مما نأكل ولتشاركنا الفرحة وتستنشق معنا رحيق وعبق الوطن ، لذا كان لموتها أثرٌ كبير في النفوس، حتّى أنّ بعض أولادي بكاها ، بعدما سهرنا لأجلها في أيّامها الأخيرة إلى الفجر في رعايتها ، وبذلنا الأموال والجهد لاستطبابها ، ولكنه أمر الله أن ترحل عنّا وتتركننا في ألم وحزن ووجوم ، على الرغم من كونها حيوان وليست من بني البشر ، فرقّت لها قلوبنا وبكيناها ونحن نودعها
وهنا تساءل البعض عن مغزى تصرفاتنا تجاه حيوان ، وتأثرنا العميق لمرضه ومن ثُمّ لموته ، وكان الجواب أليس هو روح من عند الله ،لا وبل كُنّا نُطعمها من أطايب ما نأكل ونؤثرها أحياناً على أنفسنا ونبذل كل ما بوسعنا تقديمه لها ، وهنا راودني تساءل عن القلوب التي يحملها أركان النظام السوري ، وإذا ما كان بالفعل يملكون قلوب ، كونهم لا يُبالون بآلام وأهات وهموم شعبنا ، ولا براحته وأمنه واطمئنانه وحريته وكرامته ، ولا يهتمون إلا بأنفسهم وكراسيهم بينما أبناء شعبي يُسحقون ويُهانون على أتفه الأشياء ، لأتساءل عن الأسباب ؟ لأُشير هنا إلى المُعتقلين الذين زُجّوا في السجون لكلمات قالوها بالسنين الطوال ، دون أن تأخذ الرحمة طريقاً لمن أصدر عليهم الأحكام القاسية والمُجحفة ، أو أولئك المُعتقلين منذ عقود وقد طال عليهم الأمد في الزنازين وأقبية الاستخبارات وأقسام التعذيب ، وهم يُسامون من أبناء الجلدة سوء العذاب دون رحمة لهم ولا لأهاليهم الذين انفطرت قلوبهم لأجلهم وهم ينتظرون عودة أحبائهم خيرة أبناء الوطن ، وليس هناك من مُلتفت لشؤونهم أو البحث فيها ، هذا عدا عن مئات الآلاف من المنفيين قسراً والهاربين من بطش النظام ، أو الذين قرفوا العودة أو حتّى الزيارة وهم يخشون أن يكونوا ضحية تقارير استخباراتية كاذبة وما شابه
ومن خلال هذا المشهد وما يحويه من الجروحات والآلام ، ولكون قطتي اسمها من اسم بُثينة شعبان التي استلمت وزارة المُغتربين وهي من أصحاب القرار ولم تفعل أيّ شيء مما وعدت به داخل الوطن وخارجه ، ولم تفي بأي وعد قطعت به على نفسها تذكرتها في هذه المُناسبة لأعمل المُقارنة ، بين بُثينة أثّرت فينا ورحلت الى بارئها ، وبين بثينة الأُخرى التي كان باستطاعتها عمل الكثير لأجل شعبها ، ولكنها آثرت حياة القصور ، وحتّى في آخر لحظات حياتها لبُثينتي كانت نظراتها تشكو ظلم العباد للذين شاركتهم محبتها ليقول لسان حالها على تلك الوعود المخملية "لا تقاس حلاوة الإنسان وأعماله الخيرة بحلاوة اللسان"، فكم من كلمات لطاف حسان قيلت ويكمن بين حروفها سم ثعبان ، والمتكبر المُتعالي كالواقف على جبل يرى الناس صغاراً ويرونه صغيرا ... وخاصةً عندما يكفل سفرائنا لفنّان مُتهم بحيازة مخدرات ومهما كانت المُبررات من أن يدس أنفه بمثل هكذا حالة ، بينما يرى هؤلاء السُفراء المُنتشرين في أنحاء الأرض لمئات الحالات لأبناء ، وأبناء أبناء السوريين الذين تشكّلت مآسياً كبيرة لهم بفعل المحنة وهروب آبائهم من أن تصلهم يد البطش والقتل ، وهؤلاء من الجيل الثاني والثالث مع الجيل الأول يعيشون بلا جواز أو هوية أو وثائق أو ما يُثبت شخصيتهم ، ليخضع بعضهم تحت سلطة الابتزاز ، دون أن يُقدم اولئك السفراء على السعي لحل هذه الإشكالات الكبيرة العالقة ، وسفير آخر يمنع فيلماً سورياً في تونس من المشاركة في مهرجان سينمائي! بسبب احتواء الفيلم على إيحاءات للمشهد السياسي في سورية، إذ يحكي في 42 دقيقة قصة سجينة سياسية خرجت من السجن وحاولت مساعدة الآخرين وشحنهم بأفكارها، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدّل على مدى الإصرار في المُضي بسوء المُعاملة والاستهتار بالمواطن من قبل البعثات الدبلوماسية السورية في الخارج للرعايا السوريين ، هذا عدا عمّا تُمارسه من الأعمال الشائنة في كتابة التقارير الأمنية التي تتسبب في اعتقال المواطنين العائدين لسورية ، وجعل الأولويات لمن لا يستحقها ، بينما هناك ألآلاف الحالات التي أعرفها في الخارج لا تجد قوت يومها وما تُطعم به أولادها ، لنرى بُثينة شعبان تهنأ ولتنام في جناحها الجديد في القصر الذي سُمّي باسم الشعب قريرة العين ، بعدما أيأست المُشردين من فعل شيء لهم ، ولترحل بُثينتي والى الأبد عنّا ، بعدما كانت تحلم مثلنا بأمل رؤية بلادي التي حدثتها كثيراً عنها بأحاسيسي ومشاعري وصمتي الطويل