الشيخ رشدي مفتي رحمه الله
مصطفى عكرمة
وغيابي عنه خمس وخمسون عاماً
رحمك الله رحمة واسعة يا أبا مصطفى
لست ألومك على غيابي عنك خمساً وخمسين عاماً وأرجو ألا تلومني فلو علمت عن أخبارك لهتفت لك على أقل اعتبار فأنت تسعى وتسعد بالسعي إليه الرجال .
رشدي مفتي وتعود بي الذكريات خمساً وخمسين عاماً حين بدأت دراسة الثانوية في اللاذقية حيث أكرمني الله بمعرفته ... كان مهيباً لكنه سرعان ما يصبح حبيباً حينما تقترب منه ، حلو الحديث ، لطيف الدعابة ، يهتم بجليسه ولو لم يكن من خاصة جلسائه ، له قدرة على جذب القلوب إليه ، قليلاً ما كان يضحك ، لكنه كثيراً ما كان يشرق وجهه عن ابتسامات لطيفة تحس أن عينيه المختبئتين خلف نظارة كانت سميكة أكثر مما ينبغي لمن كان في سن أقل من سنه ، كان يتقد حماساً لنشر دينه بعقيدة سليمة ليس فيها جمود ولا جنوح ، كثر حساده بعد أن كثر محبوه ورواده ، فكم أدخلوه السجن ، وكم كانت دعاباته مما كان يلاقيه في السجن ، وبخاصة ما كان يخدع به سجانيه حينما يقترب وقت عذابه ، فيمر سالماً من براثنهم ليضحك من جديد حينما يذكر ذلك ويضحك جالسيه معه .. جلسات قليلة حظيت بها مع الشيخ الجليل رشدي مفتي لتمر بعدها هذه العقود الطويلة التي لم تستطع أن تمحو من قلبي وذاكرتي طرافة رشدي مفتي ، ودماثة خلقه ، وبشاشة وجهه المحمدي المشرق بنور الإيمان رحمك الله وغفر لك يا أبا مصطفى وجمعنا بك في مستقر رحمته .