أهلا توفيق فيّاض

محمد علي طه

عاد توفيق فيّاض إلى وطنه، إلى قريته المقيبلة الصّامدة الباقيّة شامة على وجنة مرج ابن عامر،  بعد غربة قسريّة طالت حتّى بدا ليل الملك الضّلّيل نقطة في بحرها، فأهلا وسهلا خيّا توفيق!!.

أفسد سلطان المعبر فرحة تلاميذ مدارس قريتك الصّغيرة وصادر صهيل ستّة جياد كانت تهمّ بالسّباحة في فضاء المرج وتركها تحّمحم، ولكنّ السّلطان غبيّ، هكذا هم السّلاطين، فشل في أنّ يقيّد ماء "النّبع" وما استطاع تكبيل أنين شبّابة "الرّاعي حمدان" ونسي أنّ يربط "الكلب سّمور" بجدار "الشّارع الأصفر" ولم يعتقل اعتقالا أحترازيّا "هلول" جنين، وترك "الدّيك الضّائع" يصيح ليخرج النّاس من "بيت الجنون" ويعودوا إلى "وادي الحوارث".

جاءوا فرادى وجماعات من وادي النّسناس وساحة العين وخان العمدان وجبل القفزة وهضاب الرّوحة وجبل الكرمل وجبل حيدر وجبل سيخ ومن مراعي الأغنام ومن عين الصّرار ومن بير الصّفا ومن البيوت العتيقة ومن الأزقّة المبلّطة ومن الشّوارع الترابيّة، جاء أبطال قصصك القصيرة وشخصيّات رواياتك ولاعبو مسرحيّاتك يرّحبون بعودة عوليس الذي خطفته غولة الدّهور، فتى شابّا جميلا، وسجنته في غار ذي سبع بوّابات، ولغمت درب عودته، ولمّا فُتح باب الكهف عنوة، طاف في سماء ثلاث قارّات وفضاء سبع عواصم من القاهرة الى بيروت فتونس فدمشق فبغداد فالدّار البيضاء فصنعاء، وطاف وطاف حتّى كانت نهاية المطاف في أرض أبيه وأمه ليقول: "إمّا عليها وإمّا فيها" ... فأهلا خيّا توفيق!!

ماذا لو جلسنا ساعة على كرسيين صغيرين منّ قشّ الحَلْفاء تحت زنزلختة البيت وشربنا القهوة البلديّة المهيّلة متذكّرين أيّام حيفا وما بعد حيفا حينما صدرت روايتك  "ألمشوّهون " ومجموعتي "لكي تشرق الشّمس "قبل نصف قرن" شويّة فراطة " واحتفل القرّاء والنقّاد بهما وبنا في بيت الكرمة في حيفا، فهل تذكر من تحدّث عن روايتك ومن عالج قصصي؟؟

كان الكتاب الأوّل والنّدوة الأولى واللقاء الأوّل مع القرّاء والخوف  والارتباك. شابّان في مقتبل العمر أحدهما من قرية عزلاء منسيّة أسمها المقيبلة والثّاني من قرية نائية اسمها كابول. جلس أحدهما على المنصّة ينظر بحياء ريفيّ إلى السيّدات والسّادة الذين ملأوا القاعة فيما اختار صديقه الخجول جدّا مثل زهور المرج أنّ يجلس على كرسيّ في الزّاويّة الجنوبيّة، وحينما لم يحتمل النقد تحوّل الى نيكيتا خروتشوف الرّوائيّ.

تعال نذهب معا إلى شوارع  عبّاس والكرمة والأنبياء والملوك ووادي النّسناس.. و..و.. كفى .. إيّأك أن تفعل يا خيّا لانّ الدّرويش والقاسم والشّيخ الرّزين أبا ميخائيل قد رحلوا. ذهب كثير من الذين نحبّهم وشاخ كثيرون وشابت كثيرات ولم يبق سوى الّذكريات النّاعمة.

يا أخي الكاتب المبدع الكبير توفيق فيّاض تعال لنسير معا على شاطئ حيفا الجميل من مصبّ جدول المقطّع فالميناء فمسبح أبي نصّور فصخرات الكنيسة لعلّنا نلتقي بالأمّورة "حيفا" !

أهلا بك يا توفيق وشكرا لصديقنا المحامي الوطنيّ محمّد دحلة وزوجته تلميذتي سهاد اللذين عملا جاهدين ليفرشا درب عودتك بالورد والزّعتر الأخضر والمرميّة.

لا بدّ من حيفا وأن طال السفر. هكذا تمتمتٌ وهكذا وشوشتُك وهكذا هتفنا معا. وهذا ما كان وهذا ما سيكون.