في وداع الدكتور فاضل صالح السامرائي

يجري الآن قسم اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، على استزارة أحد كبار علماء اللغة والأدب والنقد كل فصل، حرصاً على نشاط القسم الفني والعلمي، وقد كان زائرنا لهذا الفصل (خريف 2012م)، هو الأستاذ العراقي المعروف الدكتور فاضل صالح السامرائي، ولم نكد نجد طعم الزيارة حتى دعينا اليوم (الاثنين 24/12/ 2012م) إلى الاحتفال بتمامها!

قلت للدكتور فاضل: ما أسرع ما مر الفصل على تلامذتكم!

التقينا للغداء في زاوية خاصة من مطعم أعضاء هيئة التدريس بمبنى إدارة الجامعة: أحمد الحنشي، وأحمد يوسف بن غدور، وحمود الرمحي، وحواس بري، وخالد الكندي، وزاهر الداودي، وزاهر الغسيني، وسعيد جبر أبو خضر، وسناء الجمالية، وعبد الجبار القزاز، وعبد الحليم حامد، وعبد العزيز الصيغ، وعلي الكلباني، وفاضل صالح السامرائي، ومحمد جمال صقر، ومحمد عبد الفتاح العمراوي، ومحمد عبد الله زروق، ومحمد فاضل صالح السامرائي قادماً من جامعة الشارقة، ومحمد المعشني، ومحمد نور المنجد، ومحمد الهادي الطرابلسي، وهلال الحجري (رئيس القسم).

كان عمال المكان قد فرقوا الموائد، فأمرهم الدكتور هلال فجمعوها، فكنا في أثناء ذلك نتنازع النوادر، حتى عجب الدكتور حواس لصبر الدكتور الطرابلسي على الإنصات!

تحلّقنا حول الدكتور فاضل، نأكل ونشرب ونقص ونعجب، حتى التفتنا إلى الدكتور هلال يحتفي بالدكتور فاضل:

لقد تشرفنا بكم – يا أستاذنا – واستفدنا نحن وطلابنا جميعاً، بل سائر العمانيين في بلادهم، الذين رأينا كيف شدوا الرحال إلى محاضرتكم بالنادي الثقافي، ولم ينقطع رضاهم عن حظوتنا بكم! وإنه ليسرنا أن تقبلوا شعار جامعتنا ذكرى مودتنا الباقية!

قال الدكتور فاضل:

شكر الله لكم وجزاكم عني خيراً! لقد غمرتموني بكرم أخلاقكم وصدق مودتكم، وبالغتم في تكريمي حتى تجاوزتم ما أستحق!

ثم همَّ الجمع أن يفترق، فبدا لي، فقلت:

اسمح لي يا دكتور هلال!

أستاذنا الدكتور فاضل السامرائي، بارك الله فيكم، وشكر لكم، وأحسن إليكم، لقد شرفتمونا، وآنستمونا، وإنه ليسرني أن أذكر الآن أول ما عرفتكم بكتابكم "معاني النحو"، الذي اجتهدتم فيه اجتهاداً كبيراً أن تستقصوا من مسائل علم المعاني ما تُنزلونه على مسائل علم النحو، فكنتم كأنما تجيبون الدكتور أحمد مطلوب على رغبته وهو البلاغي العراقي الكبير، حين قال: سنظل نُدرس علم المعاني حتى ينتبه إليه النحويون!

لقد بلغ من استطرافي الكتاب أن رحلت سنة 2000م، إليكم بجامعة الشارقة في شقتكم الفاخرة على بحيرة الملك خالد، أجادلكم في الاكتفاء في تعليم مسائل علم النحو بهذه المسائل التي نزلتم عليها مسائل علم المعاني، فأبيتم عليَّ بأن من مسائل علم النحو ما لا مورد فيه لمسائل علم المعاني، ومَثَّلتُم بأصل وضع الجملة العربية، فرأيتُ إمكان أن يشف هذا الأصل عن معنى خصائص اللغة العربية المتميزة من سائر اللغات والتفكير العربي المتميز من سائر التفاكير!

ولقد حرصتُ على تعليق تلامذتي العمانيين بكتابكم هذا "معاني النحو" حتى ذهبت معهم نفتش عنه بمعرض مسقط الدولي للكتاب، نفترق لنجتمع فنرى ماذا بلغ التفتيش بكل منا! ثم حرصتُ فيما بعد على أن أنهج نهجه لتلامذتي المصريين إرواءً لجفاف السائل النحوية المُصمتة، فارتاحوا له كثيراً!

وإنما تحببتُ إليكم؛ فليس أحبَّ إلى العالم من رواج منهجه!

واليوم إذ يجدُّ بكم الإياب إلى العراق الحبيب، أسأل الله أن يصلح أحوالكم، ويتم عليكم نعمته، ويثبتكم على الحق، حتى يعود العراق سيرته الأولى وعلم وحضارة، آمين!

وسوم: 639