يعقوب زيادين والمرحلة
جميل السلحوت
رحل المناضل الأردني العربيّ الأمميّ يوم 5 نيسان 2015 عن عمر يناهز ثلاثة وتسعين عاما، حافلا بالنّضال والتّضحية، وهذه سنّة الحياة، فالأحياء كلّهم مصيرهم الموت، والطبيب يعقوب زيّادين المولود في قرية السماكية قضاء مدينة الكرك، ليس ممّن يطويهم الموت ويطوي أسماءهم أيضا، فالرّجل من أوائل من درسوا الطّب في الأردن وفلسطين، وعاش تاريخا نضاليا سيخلّده، فقد شغل مركز الأمين العام للحزب الشّيوعيّ الأردني، وانتخب في البرلمان الأردني عن دائرة محافظة القدس عام 1956، وأصدر أكثر من كتاب يحكي مسيرته الطويلة في العمل الحزبي منها كتاب «البدايات.. أربعون عاما من مسيرة الحركة الوطنية الأردنية» الذي أصدره أواخر السبعينيات، ثم كتاب «يعقوب زيادين.. شاهد على العصر» بالإضافة الى كتابه الأخير «لو عادت بي الأيام» الصادر عن دار أزمنة في عمّان.
وسبق وأن اطلعت على كتابه"البدايات" ولم تتح لي الفرصة للاطلاع على كتابيه الآخرين، وحياة ومسيرة وسيرة الدّكتور زيّادين شاهدة على النّقاء الفطري للانسان، وكان بامكانه أن يعيش حياة رغيدة كطبيب في مرحلة كان الأطباء فيها نادرين قليلي العدد، لكنّه اختار الانحياز إلى الفئات المسحوقة من شعبه وأمّته....وتعرّض للسّجن والاعتقال لسنوات ثمانية، فلم يتحوّل عن قناعاته الماركسيّة اللينينيّة حتى اليوم الأخير من حياته.
والدّكتور يعقوب زيّادين الذي عمل طبيبا في مستشفى المطّلع "أوغستا فكتوريا" في القدس في خمسينات القرن العشرين، فتح عيادته مجانا للاجئي وفقراء الشّعب الفلسطينيّ، فذاع صيته بين النّاس، وأحبّه من عاصروا تلك المرحلة، وما خيبوا ظنّه، ففي انتخابات عام 1956 البرلمانيّة ترشّح عن دائرة محافظة القدس، وحصل على أعلى الأصوات، مع علم المقدسيّين في تلك المرحلة أنّه "مسيحيّ شيوعيّ" لكنّهم انتخبوه لصدق تعامله معهم، ولمواقفه الوطنيّة التي انحازت إلى هموم الشّعب وتطلّعاته، وبالتّالي فإن الطائفيّة والتّعصّب الديّني تهاوت أمام وعي الجماهير المقدسيّة، وما كان ذلك ليحصل لولا الدّور الرّياديّ والواعي للحركة الوطنيّة في تلك المرحلة، والتي قادت الجماهير لاسقاط حلف بغداد، والوقوف مع الشّعب المصريّ وقيادته المتمثّلة بزعيم الأمّة جمال عبد النّاصر في التّصدي للعدوان الثّلاثي على مصر عام 1956.
والدّكتور زيّادين الذي اقتيد من تحت قبّة البرلمان إلى سجن الجفر الصّحراوي، ليمضي فيه ثماني سنوات، لم يتنازل عن مبادئه بعد الافراج عنه عام 1965، وهو مدرك تماما أنّ القضيّة الفلسطينيّة، والصّراع مع الحركة الصّهيونيّة التي تتعدّى أطماعها حدود فلسطين التّاريخيّة هي أساس الصّراع في المنطقة، وبالتّالي فقد أفنى حياته مدافعا عن حقّ الشعب الفلسطينيّ في تقرير مصيره على ترابه الوطنيّ، تماما مثلما بقي مدافعا عن حقوق الشّعب الأردنيّ في العدالة والحياة الكريمة.
إنّ سيرة الرّاحل الدكتور زيّادين تبقى نبراسا للمكافحين من أبناء الشّعبين الأردنيّ والفلسطينيّ، والمرحلة التي عاشها في القدس تدعو إلى التّوقف عندها، والاستفادة منها، خصوصا في ظل انتشار الفكر التكفيريّ والطّائفيّ الذي ينخر جسد المنطقة العربيّة.
والدّكتور يعقوب زيّادين لم تغب القدس عن وجدانه يوما، فالرّجل عاش وناضل في سبيل تحرير هذه المدينة، ففي مقابلة معه على إحدى الفضائيّات قبل حوالي عامين، قال" أنّه يحلم بأن يدخل القدس محرّرة ويقف أمام باب العامود في المدينة ليودّع هذه الحياة وهو مطمئن ومرتاح" وأمنيته هذه يمكن اعتبارها وصيّة لكلّ شرفاء الأمّة وأحرار العالم...فنم قرير العين أيّها الرّاحل الكبير فذكراك ستبقى خالدة، ولك المجد حيّا وميّتا.