وإنّا لموتك يا عمر لمحزونون
جميل السلحوت
أن تفقد أخاك هذا يعني أنّك تفقد جزءا من قلبك، سيورثك حزنا دائما، وخللا صحيّا لن تشفى منه ما حييت، فهذا شقيقي عمر يرحل عنّا دون استئذان، ليترك جرحا في قلبي لن يندمل، واذا ما قال الشاعر:
أخاك أخاك فإن من لا أخا له...كساع الى الهيجا بغير سلاح
فرحيل عمر يجردنى واحدا من أسلحتي التي فاخرت بها كثيرا، والتي توكأت عليها ردحا من الزمن، فهل هذا يعني أنّ ثغرة كبيرة قد انفتحت في حصن حياتي؟ أعلم أنّ الموت حق، و"أنّ كل نفس ذائقة الموت" وأنّ الموت يقف على نافذة بيتي ليتسلل الى سريري ليخطفني رغما عنّي وعن غيري في أيّ لحظة، لكن الفراق صعب خصوصا اذا كان فراقا أبديّا، ولماذا يصعب عليّ تصديق أنّ عمر قد رحل، مع أنّني شاركت في جنازته وفي دفنه؟
ألتفت إلى والدتي العجوز متصنعا عدم المبالاة برحيل عمر، لأشدّ من أزرها، فدموع الوالدة تجرح المشاعر، وتترك في القلب غصّة، لكنّني لا أصمد أمام حزنها الدّافق، ولا يعود أمامي إلّا الهروب من أمامها، فكم كان "درويشنا" حكيما عندما قال:
"أعشق عمرى لأنى إذا متّ .. أخجل من دمع أمّى"
لكنّني يا درويش أرى دمع أمّي، فالرّاحل شقيقي، الراحل ابنها، فهل أنا الراحل؟ نعم أشعر أنّني أنا الراحل، حتى أنّني أتحسس جسدي لأتأكّد من أنّني لا زلت على قيد الحياة خجلا أمام دموع أمّي.
اعتاد الناس في غالبيتهم أن يدفن الأبناءُ آباءهم، لكنّ حظّ أمّي العاثر شاء لها أن تدفن واحدا من أبنائها البارّين، والرّاحل عمر هو أكثرهم طلبا لرضاها.
فهل هذه الحياة الفانية التي لا يزيد وقعها عن وَقْعِ رحلة قصيرة شاقة وممتعة، تترك كل هذه الأحزان وكل هذه الخيبات؟