الشيخ الداعية المجاهد محمد أحمد الراشد
(1938م- معاصر)
توطئة:
هو الداعية المربي عبد المنعم صالح العلي العزي، وكنيته "أبو عمار" وشهرته محمد أحمد الراشد.
يعدّ الشيخ الداعية محمد أحمد الراشد واحداً من أولئك المفكرين والدعاة المربين، الذين لهم فكر تربوي متميز، فقد كان ولا يزال طوال حياته مؤلفاً للكتب، وملقياً للمحاضرات والدروس، محيياً لفقه الدعوة، ناشراً للعلم الشرعي والتربوي والدعوي، متنقلاً بين أصقاع البلدان، متحدثاً، عن المعوقات التي تقف في وجه الدعوة والداعية والمدعو، سواء كانت خارجية أو داخلية ومنها على سبيل المثال لا الحصر ( الفتور، ضعف التخطيط، قلة التجربة، التنازع بين الدعاة، أهواء النفس، أمراض القلوب، التقليد الأعمى، التعصب، ..وغيرها).
وقد لاحظ الباحث أن الداعية محمد أحمد الراشد له منهجية فكرية خلاقة بناءة ومبدعة في مجال التربية العلاجية، ويظهر ذلك من خلال كتبه العديدة، والذي يتميز فيها بسعة فكره وخصوصية ومنهجية وتأصيل، تعكس خبرة وحنكة في التعامل مع هذه القضايا الدعوية التربوية ووضع العلاج لها، ومن هنا تولدت الحاجة الماسة لتناول هذا الموضوع.
مولده، ونشأته:
ولد عبد المنعم صالح العلي العزي في حي الأعظمية في مدينة بغداد في 11 جمادى الآخرة 1357ه، الموافق الثامن من شهر يوليو عام 1938 من عشيرة بني عز، وهم من "عبادة".
ويرجعون إلى عامر بن صعصعة (أي من العرب المضرية العدنانية).
دراسته، ومراحل تعليمه:
درس الابتدائية في مدرسة تطبيقات دار المعلمين، وهي أرقى مدرسة في العراق.
وكان وهو ابن ثماني سنوات يقرأ المجلات الأدبية كمجلة الأنصار وغيرها بتشجيع من أخيه الأكبر.
وتميز عبد المنعم في صباه بالوقار والجدية وعفة اللسان والصدق والطاعة والالتزام والاحترام لمعلميه، كما كان واسع النشاط متعدد المواهب، فكان يلعب كرة القدم ويجيد الركض والسباحة، فقد عبر نهر دجلة وعمره 8 سنوات ودون الاستعانة بأحد، كما كان لا يفتر عن التجوال على الدراجة الهوائية، تفتحت نفسه منذ الطفولة المبكرة على العلم والقراءة والمطالعة، فقد كان شقيقه الأكبر يضع مجلة الرسالة في يده فيأتي عليها من الغلاف إلى الغلاف دون أن يفهم منها إلا قليلاً، ولكن ترسبت منها في اللاشعور بعض معانيها، مما ضاعف لديه سمة الجد الذي فطره الله تعالى عليه.
درس الراشد في كلية الحقوق في جامعة بغداد فتلقى فيها أصول الفقه والمواريث ومسائل الطلاق، وأبواباً من المعاملات عبر الفقه المقارن، مما أدى إلى توسيع مداركه في العلوم الشرعية، وتخرج فيها عام 1962م.
شيوخه، وأساتذته:
تتلمذ على العلماء السلفيين، ومنهم:
1-الشيخ عبد الكريم الشيخلي، وهو من علماء السلف، وقد قاتل مع الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله في كثير من معاركه، وقد تتلمذ على يديه في الحديث.
2-وكذا الشيخ الدكتور تقي الدين الهلالي: عالم معروف نال الدكتوراه من ألمانيا، أخذ عنه علوم الحديث.
3-والشيخ محمد القزلجي الكردي: وهو من أوائل الطلاب الذين درسوا في الأزهر، لازمه 3 سنوات منذ عام 1956م وقرأ عليه مقدمات في علم الفقه، وكتاب الهداية في الفقه الحنفي، ومسائل لغوية أخرى، وقد حضر عنده الراشد يومياً من صلاة العصر إلى المغرب.
4- والشيخ أمجد الزهاوي -رحمه الله- رئيس علماء العراق، من خلال دروسه في المساجد.
5- ثم الشيخ محمد بن حمد العسافي: وهو صاحب توجه سلفي، ومن أهل نجد الذين سكنوا مدينة الزبير، ثم انتقل إلى بغداد،... وغيرهم من العلماء الذين كانت تزخر بهم العراق.
كما تأثر الراشد بفكر محمد محمود الصواف، وبقصائد شاعر الدعوة وليد الأعظمي، وتميز بسعة اطلاعه على كتب الأدب والشعر بدءاً من العصر العباسي حتى العصر الحديث إذ تأثر بالرافعي ومحمود شاكر وعبد الوهاب عزام وغيرهم كثير.
أعماله، ومسؤولياته:
عمل محمد أحمد الراشد محامياً، ثم عمل صحافياً، ثم تفرغ للكتابة في العمل الدعوي.
وبدأ اهتمام الراشد ووعيه السياسي، وهو في الثانية عشرة من عمره، حين كان في المدرسة المتوسطة، حيث كانت القضية الفلسطينية في ذروة الاهتمام، إضافة إلى اندلاع المظاهرات المطالبة بإسقاط معاهدة (بورت سمورث)، كما بدأت المطابع بإنتاج كتب عن تاريخ الحرب العالمية الثانية وقصص رومل وغيره، فتضاعف اهتمام الراشد بالقضايا السياسية، وهو ما أدى إلى انخراطه في صفوف العمل الدعوي في هذه المرحلة، وكانت بداية تماس الشيخ بالإخوان المسلمين، وهو في الثالثة عشرة من عمره.
وكانت أيام عمل علني للإخوان في العراق في أيام العهد الملكي قبل الثورة التي جاءت سنة 1958.
انضم عمليًا لجماعة الإخوان المسلمين في شهر مايو 1953.
وكان يسمع خطب وتوجيهات كبار الإخوان كالشيخ الصواف قائد الإخوان في العراق، وقصائد شاعر الدعوة وليد الأعظمي، وحين بدأ نجم جمال عبد الناصر، بدأ التضييق والحصار على الدعاة في مصر، ومن ثم حوصرت الدعوة في العالم العربي معنوياً، يقول الراشد: وحوصرنا معنوياً حصاراً شديداً بحيث أصابنا شيء من الانعزال، وهذه العزلة قد تكون سلبية، ولكن من ناحية أخرى فيها إيجابية أنها تترك لك مجالاً للتعلم والجدّ، ثم توجهت التوجه العلمي بإرشاد من أساتذتنا ونقبائنا في الجماعة، وكنا نحرص على بقية العلماء السلفيين في العراق والتتلمذ عليهم، وهم قلة لأن العلماء في العراق يغلب عليهم التقليد والتصوف أحياناً، ولأن التوجه العام للإخوان في العراق هو توجه سلفي، فقد وجهونا إلى التتلمذ على العلماء السلفيين.
ومع مطلع عام 1971م اضطر الراشد للاختفاء داخل العراق بسبب الظروف الأمنية، ومع مطلع عام 1972م هاجر إلى الكويت فعمل محرراً في مجلة المجتمع التي تصدرها جمعية الإصلاح، وكتب فيها سلسلة مقالاته في ( إحياء فقه الدعوة)، ثم انتقل إلى الإمارات وقدم للشباب والدعاة سلسلة من الدروس والدورات، ثم انتقل للعيش في ماليزيا وأندونيسيا والسودان فسويسرا، وفي كل بلد من البلدان كان ينشر العلم الشرعي وفقه الدعوة بين الدعاة، وتوّج الراشد نشاطاته السياسية والدعوية الممتدة على مدى نصف قرن تقريباً بتأسيس مجلس شورى أهل السنة والجماعة في العراق، وهو المجلس الذي يرمي إلى توحيد كلمة أهل السنة في العراق في مرحلة التحول السياسي، ويتفرغ الآن على العمل مع الحزب الإسلامي العراقي والتنظير له، وبعد الاحتلال الأميركي للعراق، قدم الراشد مجموعة من الدراسات والكتب التي ترصد الحالة الراهنة للعراق وتبشر بعودة الأمل مثل: صحوة العراق، وعودة الفجر، ورؤى تخطيطية ، ورمزيات حمساوية، وبوارق العراق، ومعاً نحمي العراق.
خروج الشيخ من العراق:
ثم خرج الشيخ من العراق إلى الكويت، بسبب اضطرار أمني، حيث انشغل في الكويت بالعمل كمحرر في مجلة المجتمع التي تصدرها جمعية الإصلاح، فكتب فيها سلسلة مقالات إحياء فقه الدعوة.
ثم انتقل إلى الإمارات، وعقد دورات كثيرة فيها ودروسًا، واستفاد منه دعاتها وشبابها.
ولا يزال الشيخ عبد المنعم صالح العلي حتى الآن يتنقل ما بين ماليزيا وأوروبا وغيرها من الدول يلقي الدروس والمحاضرات، ويحيي فقه الدعوة بين الدعاة، وينشر العلم الشرعي.
إبداعاته، ومطالعته:
قدم الراشد على مدى عمره المديد العديد من الكتب والرسائل التي ينمّ أسلوبها وطريقة إخراجها عن فنان وأديب تذوق الأدب، واطلع على أمهات الكتب، وصهر محتواها بأسلوب أدبي رشيق، لا تلمح فيه إلا شخصاً قد درس التاريخ ووعاه، وتستطيع أن تلمح البلاغة الأدبية والصياغة الفنية في جميع مؤلفاته، بدءاً من سلسلة إحياء فقه الدعوة حتى سلسلة استراتيجيات الحركة الحيوية.
ومن يقرأ كتب الراشد يرى بوضوح وجلاء تام، أن كاتبها ليس مجرد داعية قضى عمره في الدعوة إلى الله، ونشر العلم فحسب، وإنما يرى فيه أديباً يجاري كثيراً من الأدباء في بلاغته، وهذا الأسلوب إنما جاء مع كثرة الاطلاع الأدبي، وقراءة كتب الأدباء والشعراء ويقول الراشد عن نفسه: ولما كنت في أول شبابي وقع في يدي كتاب وحي القلم للرافعي فقرأته مراراً، كما قرأ عشرات الدواوين والمجلات الأدبية، ناهيك عن كتب الفقهاء المتقدمين الذين تمتاز كتبهم بقوة عباراتها، ورصانة جملها، لذلك جاءت كتبه خليطاً مميزاً من الأدب والفقه والاستشهاد بأقوال للسلف والخلف مع إيحاءات ثقافية عامة لا تكاد تنفك عن كل كتاباته .
المؤلفات:
وللشيخ الراشد عدد من المؤلفات، مثل:
أ-في علوم الدعوة:
1-المنطلق.
2-العوائق.
3-الرقائق.
4-صناعة الحياة.
5-المسار.
6-رسائل العين.
7- منهجية التربية الدعوية.
ب- في العلوم الشرعية:
7-دفاع عن أبي هريرة.
8-أقباس من مناقب أبي هريرة (وهو مختصر الدفاع).
9- تهذيب مدارج السالكين.
10-تهذيب العقيدة الطحاوية.
11- الفقه اللاهب، وهو تهذيب لكتاب الغياثي - للجويني.
12- أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي ( أربعة أجزاء).
13-صراطنا المستقيم، وهي أول رسالة من سلسلة مواعظ داعية، وهي سلسلة جديدة تمزج الموعظة بفقه الدعوة، وستصل بإذن الله إلى سبعين رسالة أو أكثر.
14-آفاق الجمال، وهي الرسالة الثانية من سلسلة مواعظ داعية.
الترجمة الإنجليزية لصناعة الحياة.
وكانت بعض دور النشر التركية قد نشرت ترجمات لكتب إحياء فقه الدعوة، وصدر المنطلق بالملاوية والتاميلية، وسيصدر المسار قريباً بالملاوية بإذن الله، وتحت الإعداد ترجمات فارسية وروسية وصينية أيضًا، إضافة للإنجليزية والفرنسية.
وله تحت الطبع مجموعة جديدة من الكتب الجديدة، مثل:
15-موسوعة معالم تطور الدعوة والجهاد، في خمسة أجزاء.
16-ثلاثين رسالة أخرى من مواعظ داعية.
17-حركة الحياة.
18-إحياء الإحياء، وهو تهذيب إحياء علوم الدين.
ج- مقالاته:
وللشيخ الراشد العشرات من المقالات في مجلة المجتمع، وكذلك العديد من المحاضرات في المؤتمرات التي دعي إليها.
وكتب عنه:
وقد توجه بعض الدارسين لكتابة منهج الشيخ في الدعوة والتربية العلاجية وفي الموضوعات الحركية منها:
-التربية العلاجية في ضوء كتابات الداعية محمد أحمد الراشد- رسالة ماجستير في أصول التربية الإسلامية في الجامعة الإسلامية في غزة- إعداد الطالب أكرم محمد عبد الله الغلبان- إشراف د. محمود خليل أبو دف .
وهناك موضوعات في فكره ومنهجه تستحق الدراسة منها:
1-التربية السياسية في ضوء كتابات محمد أحمد الراشد.
2-أثر التربية الروحية في بناء الداعية من خلال كتابات الراشد.
3- التربية النوعية في ضوء كتابات محمد أحمد الراشد.
المصدر:
1-محمد الراشد موقع: إسلام أون لاين.
2- الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين .
3- التربية العلاجية في ضوء كتابات الداعية محمد أحمد الراشد- أكرم محمد عبد الله الغلبان.
4- موقع الرواق على الانترنت.
5-همسات في مسار الدعوة .
وسوم: العدد 845