الأطفال الألمان يتظاهرون احتجاجا على آفة إدمان آباءهم وأمهاتهم على استعمال هواتفهم الخلوية على حساب رعايتهم والعناية بهم
تداولت وسائل التواصل الاجتماعي فيديو يصور مظاهرة لأطفال في ألمانيا خرجوا للاحتجاج على انشغال آبائهم وأمهاتهم عنهم بهواتفهم الخلوية . ولا شك أن هذا الحدث يكتسي أهمية كبرى ، وهو مؤشر على الوعي الطفولي في بلد متطور في القارة العجوز . ومهما تكن الجهة التي وقفت وراء هذه المظاهرة ،فإنها تعتبر صفعة للآباء والأمهات في كل أرجاء المعمور تنبههم إلى آفة الإدمان على استعمال الهواتف الخلوية والتقصير في الاهتمام بالأبناء ورعايتهم .
ففي بلد فلاسفة التربية قرع جرس الإنذار للفت أنظار العالم إلى اعتداء صارخ للآباء والأمهات على حق من حقوق الطفولة ، وهو حق الرعاية والعناية والاهتمام بهم في أكثر من محطة خلال اليوم الواحد . ففضلا عما تقتضيه حقوق الأبناء من إيواء ومطعم ومشرب وملبس ومركب وتعليم وترويح ... يبقى لهؤلاء الحق في أن يهتم بهم الآباء والأمهات في أوقات فراغهم وهم في منازلهم.
ومعلوم أن كثيرا من الآباء والأمهات بحكم ظروف العيش في عالم اليوم لا تجمعهم بأبنائهم إلا أوقات محدودة حول موائد الوجبات اليومية أوحين يودعونهم في غرف نومهم أو حين يصاحبونهم إلى مدارسهم ، وحتى واجباتهم الدراسية المنزلية ينجزونها لوحدهم في الغالب ، وما عدا ذلك لا يجمعهم بهم جامع .
ويصرف الآباء والأمهات وقتا معتبرا في الانشغال بهواتفهم الخلوية أثناء وجودهم في منازلهم في الوقت الذي يكون فيه الأبناء في أمس الحاجة إلى مصاحبتهم إما لإنجاز واجباتهم المدرسية أو أثناء لعبهم أو أثناء متابعة برامجهم التلفزية المفضلة . ولقد انتقلت عدوى الانكباب على الهواتف الخلوية واللوحات الالكترونية من الآباء والأمهات إلى الأبناء إلى حد الإدمان حيث يسود الصمت المطبق كل المنازل ، ولا تسمع إلا أجراس أو أصوات تلك الهواتف أو اللوحات بين الحين والآخر ثم يسود الصمت من جديد حتى يغلب النعاس الجميع فينصرفون إلى غرف نومهم وقد تصحبهم هواتفهم ولوحاتهم إليها فتنومهم وقد نال منهم التعب .
وإذا ما كانت الحكمة الألمانية قد تحركت لقرع جرس الإنذار المنبه إلى خطورة آفة إدمان الآباء والأمهات وسائل التواصل التي تشغلهم عن رعاية أبنائهم ، فإننا في مجتمعنا المغربي وباقي المجتمعات العربية الإسلامية غافلون عن خطورة هذه الآفة ولا زلنا في بداية عشقنا لاستخدام هذه الوسائل بنهم كبير ونحن نحذو حذو الأمم الغربية حذو النعل بالنعل وقد سبقونا إليها بحكم تطورهم التكنولوجي حتى دخلنا جحر الضب وراءهم .
ومن المؤشرات المقلقة حقا أن بلدنا المغرب حسب الإحصائيات التي تنشر بين الحين والآخر يعد من أكثر بلدان العالم استخداما للهواتف الخلوية وأكثر ممارسة للتواصل عبرها ، وهذا يعني أنها تستغرق منا وقتا معتبرا يقتطع من الوقت الواجب تخصيصه لأداء واجبات مختلفة منها أو أهمها واجب عناية الآباء والأمهات بأبنائهم وهو ما جعل الأمة الألمانية تتحرك وتحرك طفولتها للاحتجاج على استهلاك الهواتف الخلوية وقت العناية بهم الثمين والذي لا يعوض .
وفضلا عن كون الآباء والأمهات يهملون أبناءهم بسبب إدمان استعمال هواتفهم الخلوية، يغفل هؤلاء عن آفة تقليد أبنائهم لهم في ذلك ، وهي مغامرة خطيرة جدا لأنه لا توجد رقابة على ما يتداوله الأبناء من مواد إعلامية ، أو بالأحرى ما يبتلعهم منها ابتلاعا ، وفيها ما يشكل خطورة كبيرة عليهم ومباشرة من قبيل لعبة الحوت الأزرق على سبيل المثال لا الحصر التي أودت بأرواح أبناء أبرياء غفل عنهم الآباء والأمهات وربما كانت غفلتهم بسبب الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي ، وربما كانوا هم السبب في إدمان الأبناء لها حتى وقع المحظور . وعلى غرار لعبة الحوت الأزرق توجد مواد إباحية خطيرة تهدد الطفولة في تربيتها وسلوكها ، ويتعاطاها الأبناء في غفلة من الآباء والأمهات أو خلال انشغالهم عنهم بهواتفهم الخلوية .
ويزداد تعرض الأبناء لخطر وسائل التواصل التي تبيح لهم اللقاءات المصورة فيما بينهم وهم في غرف نومهم أو خلوتهم خصوصا بالنسبة للمراهقين في فترة انجذاب الجنسين إلى بعضهما الأمر الذي قد يكون بداية ما لا تحمد عقباه ، والآباء والأمهات غافلون عن ذلك بسبب آفة إدمانهم على التواصل عبر هواتفهم الخلوية.
ومع أن وسائل التواصل قد تكون وسيلة من وسائل التثقيف والتعلم بالنسبة للأبناء شريطة مصاحبة الآباء والأمهات لهم في استعمالها ومراقبتهم ، فإن غيابهم يجعل تلك الوسيلة خطرا على الأبناء الذين بحكم براءتهم تستهويهم المواد التي لا تثقيف ولا تعليم فيها وهي مواد قد تدمر طفولتهم وبراءتهم ، ووقتهم وعقولهم ومشاعرهم.
فمتى سيستفيق ضمير الآباء والأمهات المغاربة خصوصا والعرب والمسلمين عموما للانتباه إلى مخاطر إدمانهم وسائل التواصل الاجتماعي على حساب رعاية أبنائهم والعناية بهم ؟
وسوم: العدد 790