عاش الرغيف
مصطفى الغلبان أبو أنس
– قطاع غزة – فلسطين
يا
فاضلي
..
قطٌّ عجوزٌ كلَّ يومٍ كنتُ ألحظُهُ
يفتِّشُ
عن
طعامٍ في سلالِ المهملاتِ
لكنَّه ما كان منفرداً لأنَّ
صغيرةً كانت تنقِّبُ عن بقايا
الأكلِ والخبزِ لأسرتِها
الفقيرة
في
مدينتِنا الكبيرةِ
لا
عليكَ أخا الكرامِ إذا اشتممتَ
كوارثَ الليلِ
المُعربدِ في الديارِ الباكيات
في بيتِنا عصفورةٌ صغرى
تنامُ تضوُّراً والأمُّ عاجزةٌ
تراقبُ لوعةَ الصغرى وفي يأسٍ
تنادي يا ابنَ عوفٍ أين فاروقُ
الزمانِ و أين سمنٌّ أين خبزٌ
للصغارِ بليلِ بردٍ
فوقَ أكتافِ الخلافةِ يحملُهْ
والأمُّ تفترشُ الدموعَ وسادةً
لا تملكُ المالَ الوفيرَ لكيْ
توفِّرَ للصغيرةِ ساندويتشاً تأكلُه
والقهرُ يبني الناطحاتِ على
أيادٍ خاويات
برحابنا تسبيكَ صورةُ
قائدٍ كم زيَّفَ التاريخَ
في
كتبٍ
مزخرفةٍ ملونةٍ مغلَّفةٍ
تعجُّ بها رفوفُ المكتبات
وسلاسلُ الوقتِ
المشرَّدِ سمعةٌ
مشهورةٌ في حيِّنا
كلُّ الشبابِ مكبَّلونَ بها
هنا
وجميعُهم يتهافتونَ
..
وعلى رصيفِ الشارعِ المحفورِ
كانوا
يلتقون
حديثُهم متقلِّبٌ
يتبادلون حوارَهم
كتبادلِ الأزياءِ في دُورِ
العروضِ
الفاتناتْ
ويفضفضون لبعضِهم
..
عما
مضى
من
عمرِهم
عن
قهرِهم
عن
خنقِهم
يتذكَّرون نفادَ ما بجيوبِهم
مما
جبتْهُ
الجامعاتْ
هذي
الحكايةُ لم تزلْ
بنتاً بخدرِ عفافِها
ما
لوَّثتْها
بعدُ أقلامُ
الحروفِ الداكناتِ
صبراً رجوتُ ألا اتئدْ
لا
تبتعدْ
فلربَّ تلقى قصةً لك
في
حكايةِ حزنِنا محفورةً
بين
السطورِ
القاسياتْ
والآن هيا صاحبي
..
لنعد لذاك القطِّ حتى
نطمئنَّ عليهِ
هل
نالَ العشاءَ أم
البكاءَ
وطفلةٍ قد رافقتْه
ببحثِها عما يبلِّلُ
ريقَها
عما
يُخفِّفُ جوعَها
عما
يجفِّفُ دمعَها
عما
يكفكفُ
رَوْعَها
عذرا فإنَّ القطُّ مات
أحلامُها في خلسةٍ ردَّت على آهاتِها
يا
طفلتي
..
يا
طلعَ زهرِ الياسمينْ
لا
شكَّ أنَّكِ تمزحينَ
وتبحثينَ عن
الزهورِ الضائعاتْ
في
أرضِنا الأمراضُ
بالألوانِ
والألوانُ
بالأدرانِ نشربُها
مضاداً ميتًا
كي
نستقيلَ من
الحياةِ
ونستفيقَ على المماتْ
في
بيتِنا يتهافتُ الشبَّانُ للمقهى
تراهم يحملون الدفترَ البنيَّ
فيه
يُسجِّلون نتائجَ الشطرنجِ
بعد
نجاحِهم في الجامعاتِ
أخا
الكرامِ
تراهمُ اجتمعوا بزهرةِ يومِهم
هرَباً
من
الحالِ الكئيبِ
بموطنٍ صلُّوا عليهِ جنازةً
قبلَ المغيبِ
جميعُهم
يقضونَ يومَهم الطويلَ
يصارعون البؤسَ
قد
حفِظوا وجوهَ العابرينَ
شوارعَ
الوطنِ المريضِ
تبرمجت بعقولِهم
صورُ البنينِ مع البناتْ
في
المخبزِ القرويِّ
شكلُ رغيفِنا مثلُ المصابِ
بوعكةٍ صحيةٍ
نفسيةٍ
يغزوهُ داءُ السلِّ خذ
هذا
الرغيفَ
مُدوَّرا ومحمَّرا
لك
إن
أردتَ أخذتَه
وإذا أردتَ تركتَه
في
بيتِنا
أُسَرٌ تفتِّشُ عن طعامٍ
في
الظلامِ
فلا
يسدُّ الجوعَ في أيَّامِها
غيرُ القليلِ من القديمِ
من الفُتاتْ
حكَّامُنا السُّفهاءُ موجودون
معروضون مثلُ
المزهريةِ
في
القصورِ الفارسيةِ
باحتفالاتِ الظهورِ يرتِّلون
ويعزفون
قصيدةً ملَّت شعوبُ الأرضِ تقسيماتِها
مسئولُنا قبلَ الظهورِ يقولُ
يا
شعبي
أنا
لكَ للإناثِ وللذكورِ
لأجلِ تخفيفِ المهورِ
لأجلِ توفيرِ المساكنِ بالبسيطِ من الأجورِ
لأجلِ تنظيفِ الشوارعِ للسعادةِ والسرورِ
لأجلِ توظيفِ الشبابِ الطامحين إلى العبورِ
وللتطورِ والتقدُّمِ جئتُكم بيديَّ نورْ
وإذا تأكَّدَ فوزُهُ ينسى الوعودَ الماضياتْ
زورُ التطوُّرِ نكتةٌ محبوكةٌ
لكن
إذا وُجِدتْ تكونُ
لجيبِهِ أما التقدُّمُ
لا
فذلك خدعةٌ
ويقولُ
بعد
ظهورِهِ للناسِ
إنَّ اللهَ يغفرُ
للعبادِ السيئاتْ
لا
دهشةٌ تعلو حواجبَ زائرِ
الحيِّ الفقيرِ إذا رأى
أقدامَه
البيضاءَ عاريةً
فتلك أخا الكرامِ طبيعةٌ
للمعجزاتْ
الناسُ أغلبُهم
تراهم سائرينَ
وتائهينَ ويسألونَ عن الطماطمِ
يكرهون تقلُّبَ الأسعارِ
ليس
يهُمُّهم طولُ السياسةِ
شكلُها ألوانُها
أربابُها أزمانُها
ألحانُها
ودخانُها
فالناسُ منشغِلون بالأطفالِ
بالأعمالِ
بالأوضاعِ
والأحوالِ
ليس
يضيرُهم إن غابَ هذا
أو
أتى ذاك الذي باعَ
البلادَ رخيصةً
للفاجراتِ الغانياتِ
الناسُ تبحثُ عن
طعامِ
عشائِها لِبناتِها ونسائِها
والناسُ تعدو خلفَ ظلِّ غذائِها
تشتاقُ لونَ حسائِها
والمحتوى من دمعِها ودمائِها
وأنينِها وعنائِها
هذا
حساءُ الناسِ في أرضي
له
طعمٌ فريدٌ والمذاقُ منزَّهٌ
عن
أيِّ
طعمٍ
في
العصورِ السابقاتِ وربَّما
لا
شيءَ يشبِهُهُ كذلكِ في العصورِ
الآتياتْ
يا
سيدي يا صاحبَ الطَّلِّ الظريفِ
الشعبُ ينتظرُ
الطعامَ
ينامُ يصحو دائماً
لا
شيءَ يشغلُهُ عدا شكلِ الرغيفْ
لا
شكَّ أنَّك
طيبُ القلبِ الحنونِ
تخافُ من هولِ الظروفْ
لا
شكَّ أنَّك تأملُ الأوضاعَ
أفضلَ رغمَ ما آلتْ إليهِ
بحُكمِ مِنهجِك اللطيفْ
يا
سيدَ الأبطالِ
يا
فاروقَ هذا العصرِ
في
الوطنِ الشريفْ
أرجوك لا تنسَ صغاراً يشتهونَ
الخبزَ رغم تلاحقِ الأحزانِ
في وضعٍ مُخيفْ
خفِّفْ عليهمْ همَّهم يا سيدي
كن
والداً
أيضًا لهم كن والدي
كن
أمَّهم هذي التي
تحنو عليهم من تساقطِ
آخرِ
الأوراقِ في فصلِ الخريفْ
أوطانُنا
قصصٌ مشوَّهةُ
الأصابعِ
كلُّ ما فيها بشكلٍ واضحٍ
ألقهرُ والأورامُ
والأوهامُ
والأحلامُ
في
عيشٍ نظيفْ
فانظرْ رجوتُكَ للبلادِ
لكي
ترى أحياءَها
هذي
حكايةُ حيِّنا لا غيرَهُ
أنا
لا أريدُ لأهلِنا ولحيِّنا
القصرَ
المنيفْ
يا
سيدَ الوطنِ العفيفِ
أنا
أريدُ لموطني عيشًا
كريماً
طاهراً فيه
ينالُ الناسُ خبزَ عشائِهم
فاعمل لكسْبِ ولائِهم
حقِّقْ لهم
آمالَهم أحلامَهم
لتنالَها بجدارةٍ وتنالَهم
بالشعبِ ثمَّ الشعبِ ثم الشعبِ
تغدو سيدي الرجلَ العفيفْ
كن
سيدي الرجلَ العفيفْ (1)
(1) عنيتُ رجلَ السياسة في بلادِنا العربية.