الحب والبشر
الحب والبشر
شهاب الدين شريطي
الحب و البشر توأمان...لكن كل منهما خلق في هيأة مختلفة
عن الآخر,فالأول تجلى للعالم و عرفناه بكونه حسا و مشاعر
ندركها لكن لا نلمسها و لا نراها,لكننا نلمس تبعاتها و آثارها و نرى
تجلياتها و صورها العديدة و المتعددة في الطبيعة و الجمال...
فهي كخيط النور...نراه لكننا لا نقدر على أن نمسكه بين قبضتينا..
و أما الإنسان فقد تجسد في شكل معلوم...و هو يعتبر أحد الأوعية
التي تحمل الحب في أحشائها فتترجمه حسب هواها و مزاجها
و تعبيراتها...
الحب يولد مثل الرضيع فيكون غير واع و غير مدرك للأشياء
من حوله...فهو ابن الغفلة... و في هذه الفترة يصعب ترويضه
لأننا لا نفهم لغته و لا نحسن غالبا التصرف و التعامل معه, فيكون
حريا بنا الرفق به و الأخذ بيديه حتى يتعود علينا و نتعود عليه
فنألفه قليلا و يألفنا, حتى إذا ظننا أن هذا الرضيع قد ساده السلام
حتى ينقلب فجأة فيملأ الدنيا صراخا و يزعجنا ببكائه و دلاله...
لكننا رغم كل ذلك نصبر عليه و نسهر لأجله الليالي الطوال...
فنحرسه و ندلله و نعطيه من وقتنا و مجهودنا أكثر من طاقة تحملنا..
هذا الحب حديث العهد بعالمنا...لا لسان ينطق به فنفهمه...
و لا طلبات محددة يفرضها علينا..و لا وعي لديه فنخاطبه لنروضه...
هو زلزال...يهدأ قليلا ثم يخلف الاهتزازات..و نكون دائما في حالة
تأهب قصوى لكل طارئ قد يطرأ...
هذا الحب ينمو و يكبر مع الأيام مثل البشر تماما...فهو ليس وردة
جميلة متفتحة يقتنيها البعض من عند بائع الورود..
الحب في فترة الشباب مزهو بحاله, متغطرس و عنيد, نفخت الحياة
فيه القوة و التمرد و صبغته بروح المغامرة و التهور و الانقياد
وراء المجهول...
و رغم ذلك كله فهو واع مدرك لذاته,له لسان جريء و متطلبات
محددة معروفة...
يمكن التحاور و التعامل معه...لكن بحذر شديد,فيكون انتقاء
الكلمات في محاورته ضرورة و تكون الحكمة الصفة المناسبة
في التعاطي معه, و مجاراته و الانقياد لأوامره و نزواته مسايرة
مسئولة.. و ليس عبودية و رضوخ.
هو متعال, يكون في بعض الأحيان صاحب عضلات كالجبل
لا يهزه الريح, و تارة يصير كنسمة الصباح لا تحرك سوى الأوراق
المتناثرة هنا و هناك و الأغصان الهزيلة...
الحب له يدان, واحدة ناعمة دافئة و أخرى خشنة باردة...
و له عينان, واحدة كالثلج و البرد و أخرى نار تتقد..
فهنيئا لمن صافحته تلك اليد الناعمة الدافئة و طوبى لمن أصابته
سهام الثلج و البرد...
الحب في سن الشيخوخة وقور ذو حكمة,لم تكدر نوائب الدهر
صفوته و لم تقتله السنوات الطوال,فهو راسخ متجذر يحن لأيام
الشباب لكنه ملتزم معتد ببياض شيبه...
إلا أنه رغم رصانته و تجربته في الحياة...هرم منحني الظهر
يمني النفس بحياة أخرى أبدية غير فانية.
الحب مثل البشر,في آخر أيامه لا يفكر إلا في شيء واحد, أمر
واحد و سؤال وحيد يحتل تفكيره:" هل ستذكرني الأجيال
من بعدي ؟"
الحب كالبشر يبحث دوما عن من يدعمه و يحميه من العواصف
و من نوائب الدهر و متغيراته..تنطبق عليه أغلب الصفات البشرية,
فهو إما حب حي أو حب ميت,تقام له المراثي و يدفن في التوابيت
و تذرف لأجله الدموع و تقام له الجنائز...و حين يرحل إما يذكر
بالخير و إما يذكر بالسوء و إما لا يذكر على الإطلاق...
الحب يبحث دوما عن من يدعمه,ففي مجتمعاتنا العربية,يدعمه
الأهل فالمجتمع فيباركه الله فيتقوى مع المعاشرة الطيبة و يزداد
إشعاعا إن رزق الأحبة بالأطفال...
أما في الغرب,لا يحتاج الحب دعما و لا يدا ترعاه لأنه مختلف جدا..
فإن كان الحب لدينا مثل الأضحية التي نتقرب بها إلى الله
و يتجمع حولها الأهل,فهو عند الغرب كفنجان القهوة يحتسيه
الجميع صباحا مساء...و ما أكثرهم مدمنوها في الغرب.